الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مصنف عبد الرزاق ***
9661- عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ اسْمُ جَارِيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَضْرَةَ، وَحِمَارُهُ يَعْفُرَ، وَنَاقَتُهُ الْقَصْوَاءَ، وَبَغْلَتُهُ الشَّهْبَاءَ، وَسَيْفُهُ ذَا الْفَقَارِ. 9662- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: كَانَ اسْمُ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذَا الْفَقَارِ، وَاسْمُ دِرْعِهِ: ذَاتَ الْفُضُولِ. 9663- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ اسْمَ سَيْفِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ذُو الْفَقَارِ قَالَ جَعْفَرٌ: رَأَيْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَنَعْلُهُ مِنْ فِضَّةٍ، وَبَيْنَ ذَلِكَ حِلَقٌ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ: هُوَ عِنْدَ هَؤُلاَءِ، يَعْنِي بَنِي الْعَبَّاسِ. 9664- عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاَءِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ نَحْوَ هَذَا قَالَ: أَقْمَاعُهُ مِنْ وَرِقٍ، يَعْنِي رَأْسَهُ، قَالَ: وَكَانَ فِي دِرْعِهِ حَلَقَتَانِ مِنْ وَرِقٍ. 9665- عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ سَيْفَ عُمَرِ بْنِ الْخَطَّابِ كَانَ مُحَلَّى بِالْفِضَّةِ. 9666- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: إِنْ أَعْطَى إِنْسَانٌ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَضَى غَزْوَتَهُ فَجَاءَ بِهِ، أَوْ بِبَعْضِهِ فَلاَ يَأْكُلْهُ، وَلَكِنْ لِيُمْضِهِ فِي تِلْكَ السَّبِيلِ قَالَ: وَإِنْ حَبَسَ نَاقَةً فِي سَبِيلِ اللهِ فَنُتِجَتْ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا. 9667- عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: إِنْ فَضُلَ شَيْءٍ جَعَلَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. 9668- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: أَعْطَى ابْنُ عُمَرَ بَعِيرًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ لِلَّذِي أَعْطَاهُ إِيَّاهُ: لاَ تُحْدِثَنَّ فِيهِ شَيْئًا حَتَّى إِذَا جَاوَزْتَ وَادِي الْقُرَى، أَوْ حَذْوَهُ مِنْ طَرِيقِ مِصْرَ فَشَأْنُكَ بِهِ. 9669- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، مِثْلَهُ. 9670- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَعَلَهُ حَبِيسًا. 9671- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْمُسَيَّبِ يُسْأَلُ عَنِ الرَّجُلِ يُعْطَى الشَّيْءَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَالَ سَعِيدٌ: إِذَا بَلَغَ رَأْسَ مَغْزَاهُ فَهُوَ كَمَالِهِ. 9672- عَنِ الثَّوْرِيِّ، وَمَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، مِثْلَهُ.
9673- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، وَسُئِلَ عَنْ جِهَادِ النِّسَاءِ فَقَالَ: كُنَّ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى، وَيَسْقِينَ الْمُقَاتِلَةَ، وَلَمْ أَسْمَعْ مَعَهُ بِامْرَأَةٍ قُتِلَتْ، وَقَدْ قَاتَلْنَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ حِينَ رَهَقَهُمْ جُمُوعُ الرُّومِ حَتَّى خَالَطُوا عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ، فَضَرَبَ النِّسَاءُ يَوْمَئِذٍ بِالسُّيُوفِ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. 9674- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، مِثْلَهُ. 9675- عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى النِّسَاءِ مَا عَلَى الرِّجَالِ إِلاَّ الْجُمُعَةَ وَالْجَنَائِزَ وَالْجِهَادَ. 9676- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَسِبْتُ أَنَّهُ عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّ رَجُلاً جَاءَ الزُّبَيْرَ فَقَالَ: أَقْتُلُ عَلِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَكَيْفَ تَفْعَلُ؟ قَالَ: أُظْهِرُ لَهُ أَنِّي مَعَهُ، ثُمَّ أُقْتَلُ بِهِ فَأَقْتُلُهُ، قَالَ الزُّبَيْرُ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَيَّدَ الإِيمَانُ الْفَتْكَ، لاَ يَفْتُكُ مُؤْمِنٌ. 9677- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ نَحْوَهُ قَالَ: الإِيمَانُ قَيَّدَ الْفَتْكَ، لاَ يَفْتُكُ مُؤْمِنٌ. 9678- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: صَحِبَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الإِسْلاَمُ فَأَقْبَلَ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَخَذُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ أَنْ لاَ يَغْدُرَ بِهِمْ حَتَّى يُؤْذَنَهُمْ، فَنَزَلُوا مَنْزِلاً، فَجَعَلَ يَحْفِرُ بِنَصْلِ سَيْفِهِ فَقَالُوا: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: أَحْفُرُ قُبُورَكُمْ فَاسْتَحَلَّهُمْ بِذَلِكَ، فَشَرِبُوا ثُمَّ نَامُوا، فَقَتَلَهُمْ فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلاَّ الشَّرِيدُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَ: الشَّرِيدُ. 9679- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: دَخَلَ عَلَى الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ رَجُلٌ وَقَدِ اشْتَمَلَ عَلَى سَيْفِهِ قَالَ: فَجَعَلَ الْمُخْتَارُ يَكْذِبُ عَلَى اللهِ وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَهَمَمْتُ أَنْ أَضْرِبَهُ بِسَيْفِي، فَذَكَرْتُ حَدِيثًا حَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، أَوْ عَمْرُو بْنُ فُلاَنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٌ أَمَّنَ رَجُلاً عَلَى دَمِهِ وَمَالِهِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنَ الْقَاتِلِ ذِمَّةُ اللهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا.
9680- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ حَمَّادًا، عَنْ نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ صَالَحَهُمْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ عَلَى أَلْفِ رَأْسٍ كُلَّ سَنَةٍ، فَكَانَ يَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُؤَدِّيهِ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ يُؤَدُّونَهُ مِنْ حَيْثُ شَاؤُوا. 9681- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ أَرْضِ الْعَدُوِّ وَمَعَهُ عَبْدٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْعَبْدُ فَأسْلَمَ فَهُوَ حُرٌّ. 9682- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ؛ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرُ أَهْلِ الطَّائِفِ بِثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُمُ الَّذِينَ يُقَالُ لَهُمُ الْعُتَقَاءُ.
9683- عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ الْمُطَرَّحِ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زحَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ مَسِيرَةِ مِئَةَ عَامٍ رَكْضَ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ. 9684- عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْسَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ، عَنِ النَّارِ مَسِيرَةَ مِئَةِ عَامٍ. 9685- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، أَنَّهُمَا سَمِعَا النُّعْمَانَ بْنَ أَبِي عَيَّاشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. 9686- عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 9687- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى قَوْمٍ مُحَاصِرِينَ الْعَدُوَّ فِي رَمَضَانَ: أَلاَّ تَصُومُوا. 9688- عَنْ عَبْدِ اللهِ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: هَذَا يَوْمُ قِتَالٍ فَأَفْطِرُوا.
9689- عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى عَمَّارٍ: أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ. 9690- عَنْ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، عَنِ الْمُجَالِدِ، عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ: أَنِ اقْسِمْ لِمَنْ جَاءَ مَا لَمْ يَتَفَقَّأْ الْقَتْلَى، يَعْنِي مَا لَمْ تَتَفَطَّرْ بُطُونُ الْقَتْلَى. 9691- عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ رَجُلاً يَكُونُ حَامِيَةَ الْقَوْمِ، وَيَدْفَعُ عَنْ أَصْحَابِهِ، أَيَكُونُ نَصِيبُهُ كَنَصِيبِ غَيْرِهِ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ أُمِّ سَعْدٍ، وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ. 9692- عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنِ اقْسِمْ لِمَنْ وَافَاكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَا لَمْ يَتَفَقَّأْ قَتْلَى فَارِسَ.
9693- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَوَّلِ مَنْ سَبَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَظُنُّ. 9694- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ، فَأَرْسَلَهَا مِنَ الْحُفَيَّاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا إِلَى ثَنْيَةِ الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ، وَكَانَ أَمَدُهَا مِنَ الثَّنْيَةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ. قَالَ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مِمَّنْ رَكِبَ الْخَيْلَ قَالَ: كُنْتُ عَلَى فَرَسٍ قَالَ: فَمَرَّ بِجَدْرَ فَطَفَفَ بِي حَتَّى كَانَ مِنْ وَرَائِهِ. 9695- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مِثْلَهُ. 9696- عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَجْرَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْخَيْلَ وَسَبَقَ. 9697- عَنِ اسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَابَقَ حُذَيْفَةُ النَّاسَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ أَشْهَبَ قَالَ: فَسَبَقَهُمْ قَالَ: فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ دَارَهُ قَالَ: فَإِذَا هُوَ عَلَى مَعْلَفِهِ، وَهُوَ عَلَى رَمْلَةٍ، يَقْطُرُ عَرَقًا عَلَى شَمْلَةٍ لَهُ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ جَالِسٌ عِنْدَهُ عَلَى قَدَمَيْهِ، مَا تَمَسُّ أَلْيَتَاهُ الأَرْضَ قَالَ: فَجَعَلَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِ يُهَنِّئُونَهُ وَيَقُولُونَ: لِيَهْنَأْكَ السَّبْقُ قَالَ: فَدَخَلَ رَجُلٌ، وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا فَقَالَ رَجُلٌ: أَلاَ تُهَنِّئُهُ؟ قَالَ: بِمَ؟ قَالَ: سَبَقَ فَرَسُهُ قَالَ: أَخْشَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الأَمِيرَ قَالَ: وَعَلَى النَّاسِ يَوْمَئِذٍ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ: تَاللَّهِ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلِيَ عَلَيْكُمْ مَنْ لاَ يَزِنُ عُشْرَ بَعُوضَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. 9698- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلَيْنِ يُرْهِنَانِ عَلَى الفَرَسٍ، فَيَدْخُلُ مَعَهُمَا آخَرٌ بِفَرَسٍ قَالَ: إِذَا كَانَ لاَ يَأْمَنَانِهِ أَنْ يَسْبِقَهُمَا جَمِيعًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ يَأْمَنَانِهِ فَهُوَ قِمَارٌ.
9699- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِئَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلاَفٍ، وَلَنْ يُهْزَمَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ. 9700- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زُهَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَجُلٌ، مِنَ الأَنْصَارِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَرْدِيَةُ الْغُزَاةِ السُّيُوفُ. 9701- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ: أُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِرَأْسٍ فَقَالَ: بَغَيْتُمْ. 9702- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسٍ، وَأُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِرَأْسٍ فَقَالَ: لاَ يُؤْتَى بِالْجِيَفِ إِلَى مَدِينَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَوَّلُ مَنْ أُتِيَ بِرَأْسٍ ابْنُ الزُّبَيْرِ. 9703- عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: لَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسٍ، وَلاَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأُتِيَ أَبُو بَكْرٍ بِرَأْسٍ عَظِيمٍ فَقَالَ: مَا لِي وَلِجِيَفِهِمْ تُحْمَلُ إِلَى بَلَدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ لَمْ تُحْمَلْ بَعْدَهُ فِي زَمَانِ الْفِتْنَةِ إِلَى مَرْوَانَ وَلاَ إِلَى غَيْرِهِ، حَتَّى كَانَ زَمَانُ ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ ذَلِكَ. حُمِلَ إِلَيْهِ رَأْسُ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ وَطَبَخُوا رُؤُوسَهُمْ فِي الْقُدُورِ.
9704- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَّهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا فَبَارَزَهُ، فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَهُ. 9705- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ......، أَوْ قَالَ: أَلْفَيْنِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يَكْفِينِي عَدُوِّي؟ فَخَرَجَ إِلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَتَلَهَا. 9706- عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَأَخْبَرَنِي أَبِي: أَنَّ أَيُّوبَ بْنَ يَحْيَى خَرَجَ إِلَى عَدَنٍ فَرَفَعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ النَّصَارَى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَشَارَ فِيهِ فَأَشَارَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ الصَّنَعَانِيُّ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَقَتَلَهُ، وَرَوَى لَهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا قَالَ: وَكَانَ قَدْ لَقِيَ عُمَرَ وَسَمِعَ مِنْهُ عِلْمًا كَثِيرًا قَالَ: فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَيُّوبُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ، أَوْ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَكَتَبَ يُحَسِّنُ ذَلِكَ. 9707- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلاً كَذَّبَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ، فَقَالَ: اذْهَبَا فَإِنْ أَدْرَكْتُمَاهُ فَاقْتُلاَهُ. 9708- عَنِ ابْنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: فِيمَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُضْرَبُ عُنُقُهُ.
9709- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: جِهَادُ الْكَبِيرِ، وَجِهَادُ الضَّعِيفِ، وَجِهَادُ الْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ. 9710- عَنْ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ اللهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. 9711- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْهِجْرَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. 9712- عَنْ مَعْمَرٍ، عَمَّنْ، سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ. 9713- عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِنَّهُ لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ، وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا. 9714- عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً، قَالَ عَطَاءٌ، قَالَ: رَجُلٌ أَسَرَهُ الدَّيْلَمُ فَقَالُوا: نُرْسِلُكَ وَتُعْطِينَا عَهْدًا وَمِيثَاقًا عَلَى أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْنَا كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَتَاهُمْ بِنَفْسِهِ، وَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ، فَكَيْفَ تَأَمُرُهُ؟ قَالَ: يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ قَالَ: إِنَّهُمْ أَهْلُ شِرْكٍ قَالَ: يَفِي بِالْعَهْدِ قَالَ: إِنَّهُمْ أَهْلُ شِرْكٍ قَالَ: يَفِي بِالْعَهْدِ لَهُمْ: {إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً}.
9715- عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ: الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ مُخْتَلِفَانِ، أَمَّا الْغَنِيمَةُ: فَمَا أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ فَصَارَ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ، وَالْخُمْسُ فِي ذَلِكَ إِلَى الأَمِيرِ يَضَعُهُ حَيْثُمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَالأَرْبَعَةُ الأَخْمَاسِ الْبَاقِيَةُ لِلَّذِينَ غَنِمُوا الْغَنِيمَةَ، وَالْفَيْءُ: مَا وَقَعَ مِنْ صُلْحٍ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْكُفَّارِ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَأَرْضِهِمْ، وَزَرْعِهِمْ، وَفِيمَا صُولِحُوا عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُسْلِمُونَ عَنْوَةً، وَلَمْ يَحُوزُوهُ، وَلَمْ يَقْهَرُوهُ عَلَيْهِ، حَتَّى وَقَعَ فِيهِ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ قَالَ: فَذَلِكَ الصُّلْحُ إِلَى الإِمَامِ، يَضَعُهُ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ.
9716- عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: جَاءَ بِي أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَلَمْ يُجِزْنِي النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَ بِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفَرَضَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَأَمَرَ: أَنْ لاَ يُفْرِضَ إِلاَّ لاِبْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ. 9717- عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، قَالَ: عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: فَكَانَ عُمَرُ: لاَ يَفْرِضُ لأَحَدٍ حَتَّى يَبْلُغَ وَيَحْتَلِمَ إِلاَّ مِئَةَ دِرْهَمٍ، وَكَانَ لاَ يَفْرِضُ لِمَوْلُودٍ حَتَّى يُفْطَمَ، فَبَيْنَا هُوَ يَطُوفُ ذَاتَ لَيْلَةٍ بِالْمُصَلَّى بَكَى صَبِيٌّ فَقَالَ لأُمِّهِ: أَرْضِعِيهِ فَقَالَتْ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ يَفْرِضُ لِمَوْلُودٍ حَتَّى يُفْطَمَ، وَإِنِّي قَدْ فَطَمْتُهُ فَقَالَ عُمَرُ: إِنْ كِدْتُ لأَنْ أَقْتُلَهُ، أَرْضِعِيهِ، فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَوْفَ يَفْرِضُ لَهُ، ثُمَّ فَرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمَوْلُودِ حِينَ يُولَدُ.
9718- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: إِنَّ أَوَّلَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قُرَيْشًا خَرَجَتْ مِنَ الْحَرَمِ فَارَّةً مِنْ أَصْحَابِ الْفِيلِ، وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ فَقَالَ: وَاللهِ لاَ أَخْرُجُ مِنْ حَرَمِ اللهِ أَبْتَغِي الْعِزَّ فِي غَيْرِهِ، فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَيْتِ، وَأَجْلَتْ عَنْهُ قُرَيْشٌ فَقَالَ: لاَهُمَّ إِنَّ الْمَرْءَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ رِحَالَكْ لاَ يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكْ فَلَمْ يَزَلْ ثَابِتًا حَتَّى أَهْلَكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْفِيلَ وَأَصْحَابَهُ، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَدْ عَظُمَ فِيهِمْ بِصَبْرِهِ، وَتَعْظِيمِهِ مَحَارِمِ اللهِ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ وُلِدَ لَهُ أَكْبَرُ بَنِيهِ، فَأَدْرَكَ، وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. فَأُتِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ زَمْزَمَ، خَبِيئَةَ الشَّيْخِ الأَعْظَمِ قَالَ: فَاسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لِي، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ مَرَّةً أُخْرَى: احْفُرْ زَمْزَمَ تَكْتُمْ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ فِي مَبْحَثِ الْغُرَابِ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ، مُسْتَقْبِلَةَ الأَنْصَابِ الْحُمْرِ قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فَمَشَى حَتَّى جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ يَنْظُرُ مَا خُبِّئَ لَهُ مِنَ الآيَاتِ، فَنُحِرَتْ بَقْرَةٌ بِالْحَزُورَةِ، فَأَفْلَتَتْ مِنْ جَازِرِهَا بِحُشَاشَةِ نَفْسِهَا، حَتَّى غَلَبَهَا الْمَوْتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَجُزِرَتْ تِلْكَ الْبَقْرَةُ فِي مَكَانِهَا، حَتَّى احْتُمِلَ لَحْمُهَا، فَأَقْبَلَ غُرَابٌ يَهْوِي حَتَّى وَقَعَ فِي الْفَرْثِ، فَبَحَثَ فِي قَرْيَةِ النَّمْلِ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَحْفِرُ هُنَالِكَ، فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: مَا هَذَا الصَّنِيعُ؟ لَمْ نَكُنْ نَزُنَّكَ بِالْجَهْلِ، لِمَ تَحْفُرُ فِي مَسْجِدِنَا؟ فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: إِنِّي لَحَافِرٌ هَذِهِ الْبِئْرَ، وَمُجَاهِدٌ مَنْ صَدَّنِي عَنْهَا، فَطَفِقَ يَحْفِرُ هُوَ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرُهُ، فَيَسْعَى عَلَيْهِمَا نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَيُنَازِعُونَهُمَا، وَيُقَاتِلُونَهُمَا، وَيَنْهَى عَنْهُ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ عِتْقِ نَسَبِهِ، وَصِدْقِهِ، وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِ يَوْمَئِذٍ، حَتَّى إِذَا أَمْكَنَ الْحَفْرَ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى، نَذَرَ إِنْ وُفِيَ لَهُ بِعَشْرَةٍ مِنَ الْوِلْدَانِ يَنْحَرُ أَحَدَهُمْ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَدْرَكَ سُيُوفًا دُفِنَتْ فِي زَمْزَمَ، فَلَمَّا رَأَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ السُّيُوفَ فَقَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَحْذِنَا مِمَّا وَجَدْتَ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: بَلْ هَذِهِ السُّيُوفُ لِبَيْتِ اللهِ، ثُمَّ حَفَرَ حَتَّى أَنْبَطَ الْمَاءَ، فَحَفَرَهَا فِي الْقَرَارِ ثُمَّ بَحَرَهَا حَتَّى لاَ تُنْزِفُ، ثُمَّ بَنَى عَلَيْهَا حَوْضًا، وَطَفِقَ هُوَ وَابْنُهُ يَنْزِعَانِ فَيَمْلآنِ ذَلِكَ الْحَوْضَ، فَيَشْرَبُ مِنْهُ الْحَاجُّ، فَيَكْسَرُهُ نَاسٌ مِنْ حَسَدَةِ قُرَيْشٍ بِاللَّيْلِ، وَيُصْلِحُهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ يُصْبِحُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا إِفْسَادَهُ، دَعَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ رَبَّهُ، فَأُرِيَ فِي الْمَنَامِ، فَقِيلَ لَهُ: قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي لاَ أُحِلُّهَا لِمُغْتَسِلٍ، وَلَكِنْ هِيَ لِشَارِبٍ حِلٌّ وَبَلٌّ، ثُمَّ كَفَيْتُهُمْ، فَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ أَجْفَلَتْ قُرَيْشٌ بِالْمَسْجِدِ، فَنَادَى بِالَّذِي أُرِيَ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَلَمْ يَكُنْ يُفْسِدُ عَلَيْهِ حَوْضَهُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ رُمِيَ بِدَاءٍ فِي جَسَدِهِ، حَتَّى تَرَكُوا لَهُ حَوْضَهُ ذَلِكَ، وَسِقَايَتَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ النِّسَاءَ فَوُلِدَ لَهُ عَشْرَةُ رَهْطٍ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ لَكَ نَحْرَ أَحَدِهِمْ، وَإِنِّي أُقْرِعُ بَيْنَهُمْ، فَأَصِبْ بِذَلِكَ مَنْ شِئْتَ، فَأَقْرِعْ بَيْنَهُمْ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَكَانَ أَحَبَّ وَلَدِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْكَ، أَوْ مِئَةٌ مِنَ الإِبِلِ؟ قَالَ: ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ، فَصَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى مِئَةٍ مِنَ الإِبِلِ فَنَحَرَهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَكَانَ عَبْدِ اللهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ أَحْسَنُ رَجُلٍ رُئِيَ فِي قُرَيْشٍ قَطُّ، فَخَرَجَ يَوْمًا عَلَى نِسَاءٍ مِنْ قُرَيْشٍ مُجْتَمِعَاتٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ: يَا نِسَاءَ قُرَيْشٍ أَيَّتُكُنَّ يَتَزَوَّجُهَا هَذَا الْفَتَى فَنَصَطَتِ النُّورَ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ، قَالَ: وَكَانَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ نُورٌ، فَتَزَوَّجَتْهُ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ فَجَمَعَهَا فَالْتَقَتْ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَعَثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَبْدَ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَمْتَارُ لَهُ تَمْرًا مِنْ يَثْرِبَ فَتُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بِهَا، وَوَلَدَتْ آمِنَةُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ فِي حِجْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَاسْتَرْضَعَهُ امْرَأَةً مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ، فَنَزَلَتْ بِهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ سُوقَ عُكَاظٍ، فَرَآهُ كَاهِنٌ مِنَ الْكُهَّانِ، فَقَالَ: يَا أَهْلَ عُكَاظٍ، اقْتُلُوا هَذَا الْغُلاَمَ، فَإِنَّ لَهُ مُلْكًا، فَرَاعَتْ بِهِ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ، فَنَجَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ شَبَّ عِنْدَهَا، حَتَّى إِذَا سَعَى وَأُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ تَحْضُنُهُ، فَجَاءَتْهُ أُخْتُهُ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَقَالَتْ: أَيْ أُمَّتَاهُ، إِنِّي رَأَيْتُ رَهْطًا أَخَذُوا أَخِي آنِفًا، فَشَقُّوا بَطْنَهُ، فَقَامَتْ أُمُّهُ الَّتِي تُرْضِعُهُ فَزِعَةً، حَتَّى أَتَتْهُ، فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ، لاَ تَرَى عِنْدَهُ أَحَدًا، فَارْتَحَلَتْ بِهِ، حَتَّى أَقْدَمَتْهُ عَلَى أُمِّهِ، فَقَالَتْ لَهَا: اقْبِضِي عَنِّي ابْنَكِ، فَإِنِّي قَدْ خَشِيتُ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ أُمُّهُ: لاَ وَاللهِ، مَا بِابْنِي مَا تَخَافِينَ، لَقَدْ رَأَيْتُ وَهُوَ فِي بَطْنِي أَنَّهُ خَرَجَ نُورٌ مِنِّي أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ، وَلَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَافْتَصَلَتْهُ أُمُّهُ وَجَدُّهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ، فَهَمَّ فِي حِجْرِ جَدِّهِ، فَكَانَ، وَهُوَ غُلاَمٌ، يَأْتِي وِسَادَةَ جَدِّهِ، فَيَجْلِسُ عَلَيْهَا، فَيَخْرُجُ جَدُّهُ وَقَدْ كَبُرَ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَقُودُهُ: انْزِلْ عَنْ وِسَادَةِ جَدِّكَ، فَيَقُولُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: دَعِي ابْنِي فَإِنَّهُ مُحْسِنٌ بِخَيْرٍ، ثُمَّ تُوُفِّيَ جَدُّهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلاَمٌ، فَكَفَلَهُ أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللهِ لأَبِيهِ وَأُمِّهِ، فَلَمَّا نَاهَزَ الْحُلُمَ، ارْتَحَلَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ تَاجِرًا قِبَلَ الشَّامِ، فَلَمَّا نَزَلاَ تَيْمَاءَ رَآهُ حَبْرٌ مِنْ يَهُودِ تَمِيمٍ، فَقَالَ لأَبِي طَالِبٍ: مَا هَذَا الْغُلاَمُ مِنْكَ؟ فَقَالَ: هُوَ ابْنُ أَخِي، قَالَ لَهُ: أَشَفِيقٌ أَنْتَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَوَاللهِ لَئِنْ قَدِمْتَ بِهِ إِلَى الشَّامِ لاَ تَصِلُ بِهِ إِلَى أَهْلِكَ أَبَدًا، لَيَقْتُلُنَّهُ، إِنَّ هَذَا عَدُوُّهُمْ، فَرَجَعَ أَبُو طَالِبٍ مِنْ تَيْمَاءَ إِلَى مَكَّةَ. فَلَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلُمَ، أَجْمَرَتِ امْرَأَةٌ الْكَعْبَةَ، فَطَارَتْ شَرَارَةٌ مِنْ مِجْمَرِهَا فِي ثِيَابِ الْكَعْبَةِ فَأَحْرَقَتْهَا، وَوَهَتْ، فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فِي هَدْمِهَا، وَهَابُوا هَدْمَهَا، فَقَالَ لَهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: مَا تُرِيدُونَ بِهَدْمِهَا؟ الإِصْلاَحَ تُرِيدُونَ أَمِ الإِسَاءَةَ؟ فَقَالُوا: بَلِ الإِصْلاَحُ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُهْلِكُ الْمُصْلِحَ قَالُوا: فَمَنِ الَّذِي يَعْلُوهَا فَيَهْدِمُهَا؟ قَالَ الْوَلِيدُ: أَنَا أَعْلُوهَا، فَأَهْدِمُهَا، فَارْتَقَى الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَلَى ظَهْرِ الْبَيْتِ، وَمَعَهُ الْفَأْسُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ، ثُمَّ هَدَمَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قُرَيْشٌ قَدْ هَدَمَ مِنْهَا، وَلَمْ يَأْتِهِمْ مَا خَافُوا مِنَ الْعَذَابِ، هَدَمُوا مَعَهُ، حَتَّى إِذَا بَنَوْهَا فَبَلَغُوا مَوْضِعَ الرُّكْنِ، اخْتَصَمَتْ قُرَيْشٌ فِي الرُّكْنِ، أَيُّ الْقَبَائِلِ تَرْفَعُهُ؟ حَتَّى كَادَ يَشْجُرُ بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: تَعَالَوْا نُحَكِّمُ أَوَّلَ مَنْ يَطْلُعُ عَلَيْنَا مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ، فَاصْطَلَحُوا عَلَى ذَلِكَ، فَطَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلاَمٌ عَلَيْهِ وِشَاحُ نَمِرَةٍ، فَحَكَّمُوهُ، فَأَمَرَ بِالرُّكْنِ، فَوُضِعَ فِي ثَوْبٍ، ثُمَّ أَمَرَ بِسَيِّدِ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَأَعْطَاهُ بِنَاحِيَةِ الثَّوْبِ، ثُمَّ ارْتَقَى وَرَفَعُوا إِلَيْهِ الرُّكْنَ، فَكَانَ هُوَ يَضَعُهُ. ثُمَّ طَفِقَ لاَ يَزْدَادُ فِيهِمْ بِمَرِّ السِّنِينَ إِلاَّ رِضًا، حَتَّى سَمَّوْهُ الأَمِينَ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، ثُمَّ طَفِقُوا لاَ يَنْحَرُونَ جَزُورًا لِبَيْعٍ إِلاَّ دَرُوهُ فَيَدْعُو لَهُمْ فِيهَا. فَلَمَّا اسْتَوَى وَبَلَغَ أَشُدَّهُ، وَلَيْسَ لَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمَالِ اسْتَأْجَرَتْهُ خَدِيجَةُ ابْنَةُ خُوَيْلِدٍ إِلَى سُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ سُوقٌ بِتَهَامَةَ وَاسْتَأْجَرَتْ مَعَهُ رَجُلاً آخَرَ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْهَا مَا رَأَيْتُ مِنْ صَاحِبَةِ أَجِيرٍ خَيْرًا مِنْ خَدِيجَةَ، مَا كُنَّا نَرْجِعُ أَنَا وَصَاحِبِي إِلاَّ وَجَدْنَا عِنْدَهَا تُحْفَةً مِنْ طَعَامٍ تُخْبِئْهُ لَنَا قَالَ: فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سُوقِ حُبَاشَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُلْتُ لِصَاحِبِي: انْطَلِقْ بِنَا نُحْدِثُ عِنْدَ خَدِيجَةَ قَالَ: فَجِئْنَاهَا فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهَا إِذْ دَخَلَتْ عَلَيْنَا مُنْتَشِيَةٌ مِنْ مُوَلَّدَاتِ قُرَيْشٍ وَالْمُنْتَشِيَةُ النَّاهِدُ الَّتِي تَشْتَهِي الرَّجُلَ قَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا فَقُلْتُ: كَلاَّ، فَلَمَّا خَرَجْنَا أَنَا وَصَاحِبِي قَالَ: أَمِنْ خِطْبَةِ خَدِيجَةَ تَسْتَحِي؟ فَوَاللهِ مَا مِنْ قُرَشِيَّةٍ إِلاَّ تَرَاكَ لَهَا كُفْوًا قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَدَخَلَتْ عَلَيْنَا تِلْكَ الْمُنْتَشِيَةُ، فَقَالَتْ: أَمُحَمَّدٌ هَذَا؟ وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ إِنْ جَاءَ لَخَاطِبًا قَالَ: قُلْتُ عَلَى حَيَاءٍ: أَجَلْ قَالَ: فَلَمْ تُعْصِنَا خَدِيجَةُ وَلاَ أُخْتُهَا، فَانْطَلَقَتْ إِلَى أَبِيهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ وَهُوَ ثَمِلٌ مِنَ الشَّرَابِ فَقَالَتْ: هَذَا ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ يَخْطُبُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ رَضِيَتْ خَدِيجَةُ، فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَخَطَبَ إِلَيْهِ فَأَنْكَحَهُ قَالَ: فَخَلَّقَتْ خَدِيجَةُ، وَحَلَّتْ عَلَيْهِ حُلَّةً، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَحَا الشَّيْخُ مِنْ سُكْرِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَلُوقُ؟ وَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَتْ أُخْتُ خَدِيجَةَ: هَذِهِ حُلَّةٌ كَسَاكَ ابْنُ أَخِيكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، أَنْكَحْتَهُ خَدِيجَةَ، وَقَدْ بَنَى بِهَا، فَأَنْكَرَ الشَّيْخُ، ثُمَّ صَارَ إِلَى أَنْ سَلَّمَ، وَاسْتَحْيَى وَطَفِقَتْ رُجَّازٌ مِنْ رُجَّازِ قُرَيْشٍ تَقُولُ: لاَ تَزْهَدِي خَدِيجُ فِي مُحَمَّدٍ جِلْدٌ يُضِيءُ كَضِيَاءِ الْفَرْقَدِ فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَدِيجَةَ حَتَّى وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ، وَكَانَ لَهَا وَلَهُ الْقَاسِمُ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءَ أَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا آخَرَ يُسَمَّى الطَّاهِرُ قَالَ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا نَعْلَمُهَا وَلَدَتْ لَهُ إِلاَّ الْقَاسِمَ، وَوَلَدَتْ لَهُ بَنَاتَهُ الأَرْبَعَ: زَيْنَبَ، وَفَاطِمَةَ، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا وَلَدَتْ لَهُ بَعْضَ بَنَاتِهِ يَتَحَنَّثُ وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ. 9719- عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا الزُّهْرِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ، فَكَانَ يَأْتِي حِرَاءَ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِي ذَوَاتَ الْعَدَدِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، فَحِينَ مَا جَاءَهُ الْحَقُّ، وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءَ، فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ: اقْرَأْ، يَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْرَأْ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةُ، حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} حَتَّى بَلَغَ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} فَرَجَعَ بِهَا تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لِخَدِيجَةَ: مَا لِي وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ فَقَالَ: قَدْ خَشِيتِ عَلَيَّ؟ فَقَالَتْ: كَلاَّ، وَاللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ رَاشِدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ، أَخُو أَبِيهَا، وَكَانَ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، فَكَتَبَ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنَ الإِنْجِيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: أَيِ ابْنَ عَمِّي اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ فَقَالَ وَرَقَةُ: ابْنُ أَخِي مَا تَرَى؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا رَأَى فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، حِينَ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟ فَقَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ لَمْ يَأتِ أَحَدٌ بِمَا أَتَيْتَ بِهِ إِلاَّ عُودِيَ، وَأُوذِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا، ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتُرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً، حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا بَلَغَنَا، حُزْنًا بَدَا مِنْهُ أَشَدَّ حُزْنًا، غَدَا مِنْهُ مِرَارًا كَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رُؤُوسِ شَوَاهِقِ الْجِبَالِ، فَلَمَّا ارْتَقَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ حَقًّا فَيَسْكُنْ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقِرَّ نَفْسُهُ، فَرَجَعَ، فَإِذَا طَالَتْ عَلَيْهِ فَتْرَةُ الْوَحْيِ عَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَإِذَا رَقَى بِذِرْوَةِ جَبَلٍ تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: بَيْنَا أَنَا أَمْشِي سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَجُئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا، ثُمَّ رَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، وَدَثِّرُونِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} إِلَى {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلاَةُ، وَهِيَ الأَوْثَانُ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَنَّ خَدِيجَةَ تُوُفِّيَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُرِيتُ فِي الْجَنَّةِ بَيْتًا لِخَدِيجَةَ مِنْ قَصَبٍ لاَ صَخَبَ فِيهِ وَلاَ نَصَبَ، وَهُوَ قَصَبُ اللُّؤْلُؤِ. قَالَ: وَسُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ كَمَا بَلَغَنَا فَقَالَ: رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ عَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ، وَقَدْ أَظُنُّ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ الْبَيَاضَ. قَالَ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الإِسْلاَمِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَتَرْكِ الأَوْثَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ، أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ. قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: عَلِيٌّ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ. قَالَ: فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ، فَقَالَ: مَا عَلِمْنَا أَحَدًا أَسْلَمَ قَبْلَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ. قَالَ مَعْمَرٌ: فَسَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ: فَاسْتَجَابَ لَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَحْدَاثِ الرِّجَالِ، وَضُعَفَاءِ النَّاسِ، حَتَّى كَثُرَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ مُنْكِرِينَ لِمَا يَقُولُ يَقُولُونَ إِذَا مَرَّ عَلَيْهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ فَيُشِيرُونَ إِلَيْهِ: إِنَّ غُلاَمَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ هَذَا لَيُكَلَّمُ، زَعَمُوا، مِنَ السَّمَاءِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَتَّبِعْهُ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِهِ غَيْرُ رَجُلَيْنِ، أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدًا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُمَّ أَيِّدْ دِينَكَ بِابْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ أَوَّلُ إِسْلاَمِ عُمَرَ، بَعْدَ مَا أَسْلَمَ قَبْلَهُ نَاسٌ كَثِيرٌ، أَنْ حُدِّثَ أَنَّ أُخْتَهُ أُمَّ جَمِيلِ ابْنَةَ الْخَطَّابِ أَسْلَمَتْ، وَإِنَّ عِنْدَهَا كَتِفًا اكْتَتَبَتْهَا مِنَ الْقُرْآنِ، تَقْرَأُهُ سِرًّا وَحُدِّثَ أَنَّهَا لاَ تَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ الَّتِي يَأْكُلُ مِنْهَا عُمَرُ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَ: مَا الْكَتِفُ الَّذِي ذُكِرَ لِي عِنْدَكِ، تَقْرَئِينَ فِيهَا مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ؟ يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي كَتِفٌ فَصَكَّهَا، أَوْ قَالَ فَضَرَبَهَا عُمَرُ، ثُمَّ قَامَ فَالْتَمَسَ الْكَتِفَ فِي الْبَيْتِ، حَتَّى وَجَدَهَا فَقَالَ حِينَ وَجَدَهَا: أَمَا إِنِّي قَدْ حُدِّثْتُ أَنَّكِ لاَ تَأْكُلِينَ طَعَامِي الَّذِي آكُلُ مِنْهُ، ثُمَّ ضَرَبَهَا بِالْكَتِفِ فَشَجَّهَا شَجَّتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ بِالْكَتِفِ حَتَّى دَعَا قَارِئًا، فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ لاَ يَكْتُبُ فَلَمَّا قَرَأَتْ عَلَيْهِ تَحَرَّكَ قَلْبُهُ حِينَ سَمِعَ الْقُرْآنَ، وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ الإِسْلاَمُ فَلَمَّا أَمْسَى انْطَلَقَ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، فَسَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} حَتَّى بَلَغَ {الظَّالِمُونَ} وَسَمِعَهُ يَقْرَأُهَا {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً} حَتَّى بَلَغَ {عِلْمُ الْكِتَابِ}، قَالَ: فَانْتَظَرَ عُمَرُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ صَلاَتِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَأَسْرَعَ عُمَرُ الْمَشْيَ فِي أَثَرِهِ حِينَ رَآهُ فَقَالَ: انْظُرْنِي يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعُوذُ باللهِ مِنْكَ فَقَالَ عُمَرُ: انْظُرْنِي يَا مُحَمَّدُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: فَانْتَظَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ عُمَرُ وَصَدَّقَهُ، فَلَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْطَلَقَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ: أَيْ خَالِي اشْهَدْ أَنِّي أُؤْمِنُ باللهِ وَرَسُولِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبِرْ بِذَلِكَ قَوْمَكَ فَقَالَ الْوَلِيدُ: ابْنُ أُخْتِي تَثَبَّتْ فِي أَمْرِكَ، فَأَنْتَ عَلَى حَالٍ تُعْرَفُ بِالنَّاسِ يُصْبِحُ الْمَرْءُ فِيهَا عَلَى حَالٍ، وَيُمْسِي عَلَى حَالٍ فَقَالَ عُمَرُ: وَاللهِ قَدْ تَبَيَّنَ لِي الأَمْرُ، فَأَخْبِرْ قَوْمَكَ بِإِسْلاَمِي، فَقَالَ الْوَلِيدُ: لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْكَ، فَدَخَلَ عُمَرُ فَاسْتَالْنَالْيَا، فَلَمَّا عَلِمَ عُمَرُ أَنَّ الْوَلِيدَ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ شَأْنِهِ، دَخَلَ عَلَى جَمِيلِ بْنِ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيِّ، فَقَالَ: أَخْبِرْ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ: فَقَامَ جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ يَجُرُّ رِدَاءَهُ مِنَ الْعَجَلَةِ جَرًّا، حَتَّى تَتَبَّعَ مَجَالِسَ قُرَيْشٍ يَقُولُ: صَبَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمْ تُرْجِعْ إِلَيْهِ قُرَيْشُ شَيْئًا، وَكَانَ عُمَرُ سَيِّدَ قَوْمِهِ، فَهَابُوا الإِنْكَارَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآهُمْ لاَ يُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَشَى، حَتَّى أَتَى مَجَالِسَهُمْ أَكْمَلَ مَا كَانَتْ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَثَارُوا فَقَاتَلَهُ رِجَالٌ مِنْهُمْ قِتَالاً شَدِيدًا وَضَرَبَهُمْ عَامَّةَ يَوْمِهِ حَتَّى تَرَكُوهُ، وَاسْتَعْلَنَ بِإِسْلاَمِهِ وَجَعَلَ يَغْدُو عَلَيْهِمْ وَيَرُوحُ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَتَرَكُوهُ، فَلَمْ يَتْرُكُوهُ بَعْدَ ثَوْرَتِهِمُ الأُولَى، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ أَسْلَمَ فَعَذَّبُوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ نَفَرًا. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَكَرَ هِلاَلٌ آبَاءَهُمُ الَّذِينَ مَاتُوا كُفَّارًا فَشَقُّوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَادَوْهُ فَلَمَّا أُسْرِيَ بِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى أَصْبَحَ النَّاسُ يُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بِهِ فَارْتَدَّ أُنَاسٌ مِمَّنْ كَانَ قَدْ صَدَّقَهُ وَآمَنَ بِهِ، وَفُتِنُوا وَكَذَّبُوهُ بِهِ، وَسَعَى رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ: هَذَا صَاحِبُكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ أُسْرِيَ بِهِ اللَّيْلَةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ رَجَعَ مِنْ لَيْلَتِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَشْهَدُ إِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ لَقَدْ صَدَقَ فَقَالُوا: أَتُصَدِّقَهُ بِأَنَّهُ جَاءَ الشَّامَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَرَجَعَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: نَعَمْ إِنِّي أُصَدِّقُهُ بِأَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ أُصَدِّقُهُ بِخَبَرِ السَّمَاءِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا فَلِذَلِكَ سُمَيَّ أَبُو بَكْرٍ بِالصِّدِّيقِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُرِضَتْ عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ خَمْسِينَ، ثُمَّ نَقَصَتْ إِلَى خَمْسٍ، ثُمَّ نُودِيَ يَا مُحَمَّدُ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} وَإِنَّ لَكَ بِالْخَمْسِ خَمْسِينَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قُمْتُ فِي الْحِجْرِ حِينَ كَذَّبَنِي قَوْمِي فَرُفِعَ لِي بَيْتُ الْمَقْدِسِ حَتَّى جَعَلْتُ أَنْعَتُ لَهُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حِينَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ: فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتَهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجْلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةٍ قَالَ: وَلَقِيتُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَنَعَتَهُ فَقَالَ رَبْعَةُ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسَ قَالَ: وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدَهُ بِهِ قَالَ: وَأُتِيَ بِإِنَاءَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا لَبَنٌ وَفِي الآخَرِ خَمْرٌ فَقَالَ: خُذْ أَيُّهُمَا شِئْتُ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ، فَشَرِبْتُهُ فَقِيلَ لِي: هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ، أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ، أَمَا أَنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ.
9720- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ: قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، صَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، قَالاَ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِئَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ، وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، وَسَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ قَرِيبًا مِنْ عُسْفَانَ أَتَاهُ عَيْنُهُ الْخُزَاعِيُّ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ قَدْ جَمَعُوا لَكَ الأَحَابِيشَ وَجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ الْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى ذَرَارِيِّ، هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَعَانُوهُمْ فَنُصِيبَهُمْ فَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْرُوبِينَ، وَإِنْ يَجِيئُوا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَهَا اللَّهُ، أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نَؤُمَّ الْبَيْتَ فَمَنْ صَدَّنَا قَاتَلْنَاهُ فَقَالُوا: رَسُولُ اللهِ أَعْلَمُ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَلَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنْ مَنْ حَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَرُوحُوا إِذًا. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ كَانَ أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ مِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، وَمَرْوَانَ: فَرَاحُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ فِي خَيْلٍ لِقُرَيْشٍ طَلِيعَةً فَخُذُوا ذَاتَ الْيَمِينِ فَوَاللهِ مَا شَعَرَ بِهِمْ خَالِدٌ إِذَا هُوَ بِقَتْرَةِ الْجَيْشِ فَانْطَلَقَ فَإِذَا هُوَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ، وَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالثَّنْيَةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ النَّاسُ: حَلْ حَلْ فَقَالُوا: خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا خَلأَتِ الْقَصْوَاءُ وَمَا ذَاكَ لَهَا بِخُلُقٍ، وَلَكِنَّهَا حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرُمَاتِ اللهِ، إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا ثُمَّ زَجَرَهَا فَوَثَبَتْ بِهِ قَالَ: فَعَدَلَ حَتَّى نَزَلَ بِأَقْصَى الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَدٍ قَلِيلِ الْمَاءِ إِنَّمَا يَتَبَرَّضُهُ النَّاسُ تَبَرُّضًا، فَلَمْ يَلْبَثْهُ النَّاسُ أَنْ نَزَحُوهُ، فَشُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ فِيهِ قَالَ: فَوَاللهِ مَازَالَ يَجِيشُ لَهُمْ بِالرِّيِّ حَتَّى صَدَرُوا عَنْهُ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيُّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ وَكَانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ تِهَامَةَ فَقَالَ: إِنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أَعْدَادَ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمُ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ، عَنِ الْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَجِئْ لِقِتَالِ أَحَدٍ، وَلَكِنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ، وَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الْحَرْبُ، وَأَضَرَّتْ بِهِمْ فَإِنْ شَاؤُوا مَادَدْتُهُمْ لَهُمْ مُدَّةً، وَيُخَلُّوا بَيْنِي وَبَيْنَ النَّاسِ فَإِنْ أَظْهَرَ فَإِنْ شَاؤُوا أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَعَلُوا وَإِنْ لاَ فَقَدْ جَمُّوا، وَإِنْ أَبَوْا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتَّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، أَوْ لَيُنْفِدَنَّ اللَّهُ أَمْرَهُ، فَقَالَ بُدَيْلٌ: سَأُبْلِغُهُمْ مَا تَقُولُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ: إِنَّا جِئْنَاكُمْ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ قَوْلاً. فَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ نَعْرِضَهُ عَلَيْكُمْ فَعَلْنَا، فَقَالَ سُفَهَاؤُهُمْ: لاَ حَاجَةَ لَنَا أَنْ تُحَدِّثَنَا عَنْهُ بِشَيْءٍ وَقَالَ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَحَدَّثَهُمْ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِي أَلَسْتُمْ بِالْوَلَدِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: أَوَ لَسْتُ بِالْوَالِدِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَهَلْ تَتَّهِمُونِي؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي اسْتَنْفَرْتُ أَهْلَ عُكَاظٍ، فَلَمَّا بَلَّحُوا عَلِيَّ جِئْتُكُمْ بِأَهْلِي وَوَلَدِي، وَمَنْ أَطَاعَنِي؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: فَإِنَّ هَذَا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خَصْلَةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، وَدَعُونِي آتِهِ فَقَالُوا: فَأْتِهِ، فَأَتَاهُ قَالَ: فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوًا مِنْ قَوْلِهِ لِبُدَيْلِ، فَقَالَ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أَيْ مُحَمَّدُ أَرَأَيْتَ إِنِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ؟ وَإِنْ تَكُنِ الأُخْرَى فَإِنِّي لأَرَى وُجُوهًا، وَأَرَى أَشْوَابًا مِنَ النَّاسِ خَلِيقًا أَنْ يَفِرُّوا عَنْكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِي عَنْهُ: امْصُصْ بَظَرَ اللاَّتِ، أَنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ وَنَدَعُهُ؟ فَقَالَ: مَنْ ذَا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلاَ يَدٌ لَكَ عِنْدِي لَمْ أَجْزِكَ بِهَا لأَجَبْتُكَ. قَالَ: وَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلَّمَا كَلَّمَهُ أَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السَّيْفُ، وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ، فَكُلَّمَا أَهْوَى عُرْوَةُ يَدَهُ إِلَى لِحْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ، وَقَالَ أَخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَقَالَ: أَيْ غُدَرُ أَوَ لَسْتُ أَسْعَى فِي غَدْرَتِكَ، وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ صَحِبَ قَوْمًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَتَلَهُمْ، وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا الإِسْلاَمُ فَأَقْبَلُ، وَأَمَّا الْمَالُ فَلَسْتُ مِنْهُ فِي شَيْءٍ ثُمَّ إِنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ صَحَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَيْنَيْهِ قَالَ: فَوَاللهِ مَا تَنَخَّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ فَرَجَعَ عُرْوَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِ وَاللهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَالنَّجَاشِيِّ، وَاللهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا، وَاللهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلاَّ وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ، وَإِذَا أَمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ، وَإِذَا تَكَلَّمُوا خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ، وَإِنَّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطَّةَ رُشْدٍ فَاقْبَلُوهَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ كِنَانَةَ دَعُونِي آتِهِ فَقَالُوا: ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا فُلاَنٌ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الْبُدْنَ فَابْعَثُوهَا لَهُ فَبَعَثُوهَا لَهُ، وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ يُلَبُّونَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ مَا يَنْبَغِي لِهَؤُلاَءِ أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ قَالَ: رَأَيْتُ الْبُدْنَ قَدْ قُلِّدَتْ وَأُشْعِرَتْ، فَمَا أَرَى أَنْ يُصَدُّوا عَنِ الْبَيْتِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ: دَعُونِي آتِهِ قَالُوا ائْتِهِ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا مِكْرَزٌ، وَهُوَ رَجُلٌ فَاجِرٌ فَجَعَلَ يُكَلِّمُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا هُوَ يُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ قَدْ سُهِّلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: هَاتِ اكْتُبْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابًا، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَاتِبَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اكْتُبْ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَمَّا الرَّحْمَنُ فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا هُوَ؟ وَلَكِنِ اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَمَا كُنْتَ تَكْتُبُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: وَاللهِ لاَ يَكْتُبُهَا إِلاَّ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَا فَاصَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَاللهِ لَوْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللهِ مَا صَدَدْنَاكَ عَنِ الْبَيْتِ، وَلاَ قَاتَلْنَاكَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَاللهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ: لاَ يَسْأَلُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرْمَةَ اللهِ إِلاَّ أَعْطَيْتُهُمْ إِيَّاهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى أَنْ تُخَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْبَيْتِ، فَنَطُوفُ بِهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ: لاَ تَتَحَدَّثِ الْعَرَبُ أَنَّا أُخِذْنَا ضَغْطَةً، وَلَكِنْ ذَلِكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَكَتَبَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: وَعَلَى أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا رَجُلٌ، وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: سُبْحَانَ اللهِ كَيْفَ يُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جَاءَ مُسْلِمًا؟ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِي قُيُودِهِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ أَسْفَلَ مَكَّةَ حَتَّى رَمَى بِنَفْسِهِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: هَذَا يَا مُحَمَّدُ أَوَّلُ مَنْ أُقَاضِيكَ عَلَيْهِ أَنْ تَرُدَّهُ إِلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ قَالَ: فَوَاللهِ إِذًا لَمْ أُصَالِحْكَ عَلَى شَيْءٍ أَبَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَأَجِزْهُ لِي فَقَالَ: مَا أَنَا بِمُجِيزِهِ لَكَ قَالَ: بَلَى فَافْعَلْ قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ مِكْرَزُ: بَلَى قَدْ أَجَزْنَاهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو جَنْدَلٍ: أَيْ مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا؟ أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ لَقِيتُ، وَكَانَ قَدْ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا فِي اللهِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَاللهِ مَا شَكَكْتُ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتَ نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى قَالَ: قُلْتُ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ؟ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ وَلَسْتُ أَعْصِيهِ، وَهُوَ نَاصِرِي قُلْتُ: أَوَ لَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ قَالَ: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَيْسَ هَذَا نَبِيَّ اللهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطَى الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا إِذًا؟ قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَلَيْسَ يَعْصِي رَبَّهُ، وَهُوَ نَاصِرُهُ، فَاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتَّى تَمُوتَ، فَوَاللهِ إِنَّهُ لَعَلَى الْحَقِّ. قُلْتُ: أَوَ لَيْسَ كَانَ يُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: فَأَخْبَرَكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهِ الْعَامَ، قُلْتُ: لاَ، قَالَ فَإِنَّكَ آتِيهِ، وَمُطَوِّفٌ بِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُمَرُ: فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أَعْمَالاً. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَصْحَابِهِ: قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا قَالَ فَوَاللهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ، حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ: فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَامَ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ اخْرُجْ، ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمُ حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُو حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَقَامَ، فَخَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ، نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضَهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ يَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا غَمًّا. ثُمَّ جَاءَهُ نِسْوَةٌ مُؤْمِنَاتٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} حَتَّى بَلَغَ {بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشِّرْكِ، فَتَزَوَّجَ أَحَدُهُمَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَالأُخْرَى صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ، رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ فَقَالُوا: الْعَهْدَ الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا حَتَّى إِذَا بَلَغَا بِهِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَى سَيْفَكَ هَذَا يَا فُلاَنُ جَيِّدًا، فَاسْتَلَّهُ الآخَرُ فَقَالَ: أَجَلْ وَاللهِ إِنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ: أَرِنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ بِهِ حَتَّى بَرَدَ وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ: لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قُتِلَ وَاللهِ صَاحِبِي، وَإِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَجَاءَ أَبُو بَصِيرٍ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ قَدْ وَاللهِ أَوْفَى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، قَدْ رَدَدْتَنِي إِلَيْهِمْ، ثُمَّ أَنْجَانِي اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلُ امِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى سَيْفَ الْبَحْرِ قَالَ: وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سَيْهَلٍ فَلَحِقَ بِأَبِي بَصِيرٍ، حَتَّى اجْتَمَعَتْ مِنْهُمْ عِصَابَةٌ. قَالَ: فَوَاللهِ مَا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ خَرَجَتْ لِقُرَيْشٍ إِلَى الشَّامِ إِلاَّ اعْتَرَضُوا لَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، فَأَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُنَاشِدُهُ اللَّهَ وَالرَّحِمَ إِلاَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَمَنْ أَتَاهُ فَهُوَ آمِنٌ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ} حَتَّى بَلَغَ {حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} وَكَانَتْ حَمِيَّتُهُمْ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِرُّوا أَنَّهُ نَبِيُّ اللهِ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِبِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. 9721- عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ سِمَاكُ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَاتِبُ الْكِتَابِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. 9722- أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهُ الزُّهْرِيَّ فَضَحِكَ وَقَالَ: هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَلَوْ سَأَلْتَ عَنْهُ هَؤُلاَءِ قَالُوا: عُثْمَانُ يَعْنِي بَنِي أُمَيَّةَ. 9723- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: كَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَأَصْبَحَ يَوْمًا وَقَدْ أَنْكَرَ أَهْلُ مَجْلِسِهِ هَيْئَتَهُ فَقَالُوا: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ اللَّيْلَةَ فَرَأَيْتُ مَلَكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ قَالُوا: فَلاَ يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَيْكَ، فَإِنَّمَا يَخْتَتِنُ الْيَهُودُ، فَابْعَثْ إِلَى مَدَائِنِكَ فَاقْتُلْ كُلَّ يَهُودِيٍّ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَتَبَ إِلَى نَظِيرٍ لَهُ حَزَّاءٍ أَيْضًا، يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِمِثْلِ قَوْلِهِ قَالَ: وَرَفَعَ إِلَيْهِ مَلِكُ بُصْرَى رَجُلاً مِنَ الْعَرَبِ يُخْبِرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: انْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ؟ قَالُوا: فَنَظَرُوا فَإِذَا هُوَ مُخْتَتِنٌ فَقَالُوا: هَذَا مَلَكُ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ. 9724- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ، مِنْ فِيهِ إِلَى فِي قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ: وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَالَ هِرَقْلُ: أَهَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: قُلْتُ: أَنَا، فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي، ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللهِ لَوْلاَ أَنْ يُؤْثَرَ عَلِيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَنِ اتَّبَعَهُ؟ أَشْرَافُكُمْ أُمْ ضُعَفَاؤُكُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُنَا قَالَ: هَلْ يَزِيدُونَ أُمْ يَنْقُصُونَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ بَلْ يَزِيدُونَ قَالَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَكَيْفَ يَكُونُ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالاً يُصِيبُ مِنَّا، وَنُصِيبُ مِنْهُ قَالَ: فَهَلْ يَغْدُرُ؟ قُلْتُ: لاَ، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هُدْنَةٍ لاَ نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا قَالَ: فَوَاللهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا غَيْرَ هَذِهِ قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكُمْ عَنْ حَسَبُهُ فَقُلْتَ: إِنَّهُ فِينَا ذُو حَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تَبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ: لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ، قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ، وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشِدَّاؤُهُمْ؟ قَالَ: فَقُلْتَ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ: لاَ، فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعِ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ يَذْهَبُ فَيَكْذِبُ عَلَى اللهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ: لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ لاَ يَزَالُ إِلَى أَنْ يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ، فَيَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالاً، يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى، ثُمَّ تَكُونُ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدُرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لاَ يَغْدُرُ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لاَ تَغْدُرُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لاَ، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ: رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ: بِمَ يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَأْمُرُنَا بِالصَّلاَةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ قَالَ: إِنْ يَكُ مَا تَقُولُهُ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ، وَإِنِّي كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَخَارِجٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ، وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ، وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ قَالَ: ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ ( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ} إِلَى قَوْلِهِ {اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَأَمْرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ: فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ إِلَى الْفَلاَحِ وَالرُّشْدِ آخِرَ الأَبَدِ؟ وَأَنْ يَثْبُتْ لَكُمْ مُلْكُكُمْ؟ قَالَ: فَحَاصَوْا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ قَالَ: فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: إِنِّي اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمُ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضَوْا عَنْهُ.
9725- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}، قَالَ: اسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَيُّنَا كَانَ أَفْجَرَ لَكَ وَأَقْطَعَ لِلرَّحِمِ فَأَحِنْهُ الْيَوْمَ، يَعْنِي مُحَمَّدًا وَنَفْسَهُ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا إِلَى النَّارِ. 9726- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ بِالْقِتَالِ فِي آيٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، وَكَانَ رَأْسَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَالْتَقَوْا بِبَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعٍ، أَوْ سِتَّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثُ مِئَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ رَجُلاً، وَالْمُشْرِكُونَ بَيْنَ الأَلْفِ وَالتِّسْعِ مِئَةٍ، وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمُ الْفُرْقَانِ، وَهَزَمَ اللَّهُ يَوْمَئِذٍ الْمُشْرِكِينَ، فَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَى سَبْعِينَ مُهَجٍ، وَأُسِرَ مِنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا إِلاَّ قُرَشِيٌّ، أَوْ أَنْصَارِيٌّ، أَوْ حَلِيفٌ لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ. 9727- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ، أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ، وَخَرَجَ الْمُشْرِكُونَ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ عَيْنًا طَلِيعَةً، يَنْظُرَانِ بِأَيِّ مَاءٍ هُوَ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا عَلِمَا عِلْمَهُ، وَخَبُرَا خَبَرَهُ، جَاءَا سَرِيعَيْنِ فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى نَزَلَ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي كَانَ بِهِ الرَّجُلاَنِ، فَقَالَ لأَهْلِ الْمَاءِ: هَلْ أَحْسَسْتُمْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ؟ قَالَ: فَهَلْ مَرَّ بِكُمْ أَحَدٌ؟ قَالُوا: مَا رَأَيْنَا إِلاَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَأَيْنَ كَانَ مُنَاخُهُمَا؟ فَدَلُّوهُ عَلَيْهِ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى بَعَرًا لَهُمَا فَفَتَّهُ، فَإِذَا فِيهِ النَّوَى فَقَالَ: أَنَّى لِبَنِي فُلاَنٍ هَذَا النَّوَى؟ هَذِي نَوَاضِحُ أَهْلِ يَثْرِبَ، فَتَرَكَ الطَّرِيقَ، وَأَخَذَ سِيفَ الْبَحْرِ، وَجَاءَ الرَّجُلاَنِ فَأَخْبَرَا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَهُ فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَخَذَ هَذِهِ الطَّرِيقَ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنَا، هُوَ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَنَحْنُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، فَيَرْتَحِلُ فَيَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَنَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ يَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، وَنَنْزِلُ بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ نَلْتَقِي بِمَاءِ كَذَا وَكَذَا، كَأَنَّا فَرَسَا رِهَانٍ، فَسَارَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَزَلَ بَدْرًا فَوَجَدَ عَلَى مَاءِ بَدْرٍ بَعْضَ رَقِيقِ قُرَيْشٍ مِمَّنْ خَرَجَ يُغِيثُ أَبَا سُفْيَانَ فَأَخَذَهُمْ أَصْحَابُهُ، فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُمْ، فَإِذَا صَدَقُوهُمْ ضَرَبُوهُمْ، وَإِذَا كَذَبُوهُمْ تَرَكُوهُمْ، فَمَرَّ بِهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ صَدَقُوكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمْ، وَإِذَا كَذَبُوكُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ، ثُمَّ دَعَا وَاحِدًا مِنْهُمْ فَقَالَ: مَنْ يُطْعِمُ الْقَوْمَ؟ قَالَ: فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَعَدَّ رِجَالاً يُطْعِمُهُمْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَوْمًا قَالَ: فَكَمْ يُنْحَرُ لَهُمْ؟ قَالَ: عَشْرًا مِنَ الْجَزُورِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجَزُورُ بِمِئَةٍ، وَهُمْ بَيْنَ الأَلْفِ وَالتِّسْعِمِئَةِ. قَالَ: فَلَمَّا جَاءَ الْمُشْرِكُونَ وَصَافُّوهُمْ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَشَارَ قَبْلَ ذَلِكَ فِي قِتَالِهِمْ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُشِيرُ عَلَيْهِ، فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَشَارَ، فَقَامَ عُمَرُ يُشِيرُ عَلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ لَكَأَنَّكَ تَعْرِضُ بِنَا الْيَوْمَ لِتَعْلَمَ مَا فِي نُفُوسِنَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا حَتَّى بَرَكَ الْغِمَادُ مِنْ ذِي يُمْنٍ لَكُنَّا مَعَكَ، فَوَطَّنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَلَى الصَّبْرِ وَالْقِتَالِ، وَسُرَّ بِذَلِكَ مِنْهُمْ، فَلَمَّا الْتَقَوْا سَارَ فِي قُرَيْشٍ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ: أَيْ قَوْمِي أَطِيعُونِي وَلاَ تُقَاتِلُوا مُحَمَّدًا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ فَإِنَّكُمْ إِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ لَمْ يَزَلْ بَيْنَكُمْ إِحْنَةٌ مَا بَقِيتُمْ، وَفَسَادٌ لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَاتِلِ أَخِيهِ، وَإِلَى قَاتِلِ ابْنِ عَمِّهِ، فَإِنْ يَكُنْ مُلْكًا أَكَلْتُمْ فِي مُلْكِ أَخِيكُمْ، وَإِنْ يَكُ نَبِيًّا فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِهِ، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا كَفَتْكُمُوهُ ذُوبَانُ الْعَرَبِ، فَأَبَوْا أَنْ يَسْمَعُوا مَقَالَتَهُ، وَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوهُ فَقَالَ: أُنْشِدُكُمُ اللَّهَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهُ الَّتِي كَأَنَّهَا الْمَصَابِيحُ أَنْ تَجْعَلُوهَا أَنْدَادًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ، الَّتِي كَأَنَّهَا عُيُونُ الْحَيَّاتِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَقَدْ مَلأْتَ سِحْرَكَ رُعْبًا، ثُمَّ سَارَ فِي قُرَيْشٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ إِنَّمَا يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا لأَنَّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنُ عَمِّهِ، فَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يُقْتَلَ ابْنُهُ وَابْنُ عَمِّهِ، فَغَضِبَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ: أَيْ مُصَفِّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيُّنَا أَجْبَنُ وَأَلأَمُ، وَأَفْشَلُ لِقَوْمِهِ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَزَلَ وَنَزَلَ مَعَهُ أَخُوهُ شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَابْنُهُ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ فَقَالُوا: أَبْرِزْ إِلَيْنَا أَكْفَاءَنَا، فَثَارَ نَاسٌ مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ، فَأَجْلَسَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلِيٌّ، وَحَمْزَةُ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، فَاخْتَلَفَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَقَرِينُهُ ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَاحِبَهُ، وَأَعَانَ حَمْزَةُ عَلِيًّا عَلَى صَاحِبِهِ فَقَتَلَهُ، وَقُطِعَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَكَانَ أَوَّلَّ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ نَصْرَهُ، وَهَزَمَ عَدُوَّهُ، وَقُتِلَ أَبُو جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفَعَلْتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللهِ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَقَالَ: إِنَّ عَهْدِي بِهِ فِي رُكْبَتَيْهِ حَوَرٌ فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا هَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَنَظَرُوا، فَرَأَوْهُ قَالَ: وَأُسِرَ يَوْمَئِذٍ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَتْلَى، فَجُرُّوا حَتَّى أُلْقُوا فِي قَلِيبٍ، ثُمَّ أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ أَيْ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، فَجَعَلَ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ رَجُلاً رَجُلاً، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ وَيَسْمَعُونَ مَا تَقُولُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُمْ بِأَعْلَمَ بِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ أَيْ إِنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا أَعْمَالَهُمْ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَسَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ يَوْمَئِذٍ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بَشِيرًا يُبَشِّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ، فَجَعَلَ نَاسٌ لاَ يُصَدِّقُونَهُ وَيَقُولُونَ: وَاللهِ مَا رَجَعَ هَذَا إِلاَّ فَارًّا، وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ بِالأُسَارَى، وَيُخْبِرُهُمْ بِمَنْ قُتِلَ، فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ حَتَّى جِيءَ بِالأُسَارَى، مُقَرَّنِينَ فِي قِدٍّ، ثُمَّ فَادَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
9728- أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ، وَعُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ قَالاَ: فَادَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَارَى بَدْرٍ، وَكَانَ فِدَاءُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، وَقُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ قَبْلَ الْفِدَاءِ، وَقَامَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: النَّارُ. 9729- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ: لَمَّا أُسِرَ الْعَبَّاسُ فِي الأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِينَهُ وَهُوَ فِي الْوَثَاقِ، جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَنَامُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلاَ يَأْخُذُهُ نَوْمٌ، فَفَطِنَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ لَتُؤَرَّقُ مُنْذُ اللَّيْلَةَ فَقَالَ: الْعَبَّاسُ أَوْجَعَهُ الْوَثَاقُ، فَذَلِكَ أَرَّقَنِي قَالَ: أَفَلاَ أَذْهَبُ فَأُرْخِي عَنْهُ شَيْئًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِكَ، فَانْطَلَقَ الأَنْصَارِيُّ فَأَرْخَى عَنْ وَثَاقِهِ، فَسَكَنَ وَهَدَأَ فَنَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
9730- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً عَيْنًا لَهُ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ نُزُولاً، فَذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِئَةِ رَجُلٍ رَامٍ حَتَّى رَأَوْا آثَارَهُمْ، حَتَّى نَزَلُوا مَنْزِلاً يَرَوْنَهُ، فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ يَرَوْنَهُ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ تَمْرِ يَثْرِبَ، فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ، فَلَمَّا أَحَسَّهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَصْحَابُهُ، لَجَأُوا إِلَى فَدْفَدٍ، وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَقَالُوا: لَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا لاَ نَقْتُلُ مِنْكُمْ رَجُلاً فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ: أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا رَسُولَكَ قَالَ: فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ وَبَقِيَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ، وَزَيْدُ بْنُ دَثِنَةَ، وَرَجُلٌ آخَرَ فَأَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ إِنْ نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَنَزَلُوا إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ الَّذِي كَانَ مَعَهُمَا هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ، فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَجَرُّوهُ فَأَبَى أَنْ يَتَّبِعَهُمْ وَقَالَ: لِي فِي هَؤُلاَءِ أُسْوَةٌ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، وَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ دَثِنَةَ، حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ، وَكَانَ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى قَتَلِهِ، اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ إِحْدَى بَنَاتِ الْحَارِثِ لِيَسْتَحِدَّ بِهَا، فَأَعَارَتْهُ قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ قَالَتْ: فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزَعًا عَرَفَهُ فِيَّ، وَالْمُوسَى بِيَدِهِ قَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَنْ أَفْعَلَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ، وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ لَمُوثَّقٌ فِي الْحَدِيدِ، وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، ثُمَّ خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا أَنَّ مَا بِي جَزْعٌ مِنَ الْمَوْتِ، لَزِدْتُ، فَكَانَ أَوَّلَّ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ هُوَ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا *** عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ *** يُبَارَكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ قَالَ: وَبَعَثَ قُرَيْشُ إِلَى عَاصِمٍ لِيُؤْتُوا بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ، وَكَانَ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ، فَبَعَثَ اللَّهُ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ الدُّبُرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ. 9731- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ، مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ مَعْمَرٌ: وَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ بِبَعْضِهِ قَالَ: إِنَّ ابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَأُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْتَقَيَا فَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ لأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَا خَلِيلَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ أُبَيُّ بْنُ خَلْفٍ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ عُقْبَةُ قَالَ: لاَ أَرْضَى عَنْكَ حَتَّى تَأْتِي مُحَمَّدًا فَتَتْفُلَ فِي وَجْهِهِ، وَتَشْتُمُهُ وَتُكَذِّبُهُ قَالَ: فَلَمْ يُسَلِّطْهُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُسِرَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ فِي الأُسَارَى، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَقْتُلَهُ فَقَالَ عُقْبَةُ: يَا مُحَمَّدُ مِنْ بَيْنَ هَؤُلاَءِ أُقْتَلُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: بِكُفْرِكَ وَفُجُورِكَ وَعُتُوِّكَ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَقَالَ مِقْسَمٌ: فَبَلَغَنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ لِلصِّبْيَةِ؟ قَالَ: النَّارُ قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ. وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ، فَقَالَ: وَاللهِ لأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ: فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ فَقِيلَ: إِنَّهُ لَمَّا قِيلَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَقَالَ أُنْشِدُكَ باللهِ أَسَمِعْتَهُ يَقُولُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَوَقَعَتْ فِي نَفْسِهِ لأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَوْلاً إِلاَّ كَانَ حَقًّا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ خَرَجَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ يَلْتَمِسُ غَفَلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ، فَيَحُولُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأَصْحَابِهِ: خَلُّوا عَنْهُ فَأَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَزَلَهُ بِهَا يَقُولُ: رَمَاهُ بِهَا، فَيَقَعُ فِي تَرْقُوَتِهِ تَحْتَ تَسْبِغَةِ الْبَيْضَةِ، وَفَوْقَ الدِّرْعِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَبِيرُ دَمٍ، وَاحْتَقَنَ الدَّمُ فِي جَوْفِهِ، فَجَعَلَ يَخُورُ كَمَا يَخُورُ الثَّوْرُ، فَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ حَتَّى احْتَمَلُوهُ وَهُوَ يَخُورُ وَقَالُوا: مَا هَذَا فَوَاللهِ مَا بِكَ إِلاَّ خَدْشٌ، فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ لَمْ يُصِبْنِي إِلاَّ بِرِيقِهِ لَقَتَلَنِي، أَلَيْسَ قَدْ قَالَ: أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَاللهِ لَوْ كَانَ الَّذِي بِي بِأَهْلِ ذِي الْمَجَازِ لَقَتَلَهُمْ. قَالَ: فَمَا لَبِثَ إِلاَّ يَوْمًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ إِلَى النَّارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً}.
9732- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ عُرْوَةَ: ثُمَّ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النَّضِيرِ، وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ مَنَازِلُهُمْ وَنَخْلُهُمْ بِنَاحِيَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلاَءِ وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ مِنَ الأَمْتِعَةِ وَالأْموَالِ إِلاَّ الْحَلْقَةَ، يَعْنِي السِّلاَحَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فَقَاتَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى صَالَحَهُمْ عَلَى الْجَلاَءِ فَأَجْلاَهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَكَانُوا مِنْ سِبْطٍ لَمْ يُصِبْهُمْ جَلاَءٌ فِيمَا خَلاَ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِمُ الْجَلاَءَ، وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسِّبَاءِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} فَكَانَ جَلاَؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرٍ فِي الدُّنْيَا إِلَى الشَّامِ. 9733- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ كَتَبُوا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ السَّلُولِ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ الأَوْثَانَ مِنَ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ، قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ يَقُولُونَ: إِنَّكُمْ آوَيْتُمْ صَاحِبَنَا، وَإِنَّكُمْ أَكْثَرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَدَدًا، وَإِنَّا نُقْسِمُ باللهِ لَتَقْتُلُنَّهُ، أَوْ لَتُخْرِجُنَّهُ، أَوْ لِنَسْتَعِنْ عَلَيْكُمُ الْعَرَبَ، ثُمَّ لَنَسِيرَنَّ إِلَيْكُمْ بِأَجْمَعِنَا حَتَّى نَقْتُلَ مُقَاتِلَتَكُمْ، وَنَسْتَبِيحَ نِسَاءَكُمْ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ أُبَيٍّ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ عَبْدَةِ الأَوْثَانِ تَرَاسَلُوا فَاجْتَمَعُوا، وَأَرْسَلُوا، وَأَجْمَعُوا لِقِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَقِيَهُمْ فِي جَمَاعَةٍ فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ وَعِيدُ قُرَيْشٍ مِنْكُمُ الْمَبَالِغَ، مَا كَانَتْ لِتَكِيدَكُمْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُرِيدُونَ أَنْ تَكِيدُوا بِهِ أَنْفُسَكُمْ، فَأَنْتُمْ هَؤُلاَءِ تُرِيدُونَ أَنْ تَقْتُلُوا أَبْنَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّقُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ فَكَتَبَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ إِلَى الْيَهُودِ: إِنَّكُمْ أَهْلُ الْحَلْقَةِ وَالْحُصُونِ، وَإِنَّكُمْ لَتُقَاتِلُنَّ صَاحِبَنَا، أَوْ لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا، وَلاَ يَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَدَمِ نِسَائِكُمْ شَيْءٌ، وَهُوَ الْخَلاَخِلُ، فَلَمَّا بَلَغَ كِتَابُهُمُ الْيَهُودَ أَجْمَعَتْ بَنُو النَّضِيرِ عَلَى الْغَدْرِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْرُجْ إِلَيْنَا فِي ثَلاَثِينَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِكَ، وَلْنَخْرُجْ فِي ثَلاَثِينَ حَبْرًا حَتَّى نَلْتَقِي فِي مَكَانِ كَذَا نَصْفٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ، فَيَسْمَعُوا مِنْكَ، فَإِنْ صَدَّقُوكَ وَآمَنُو بِكَ، آمَنَّا كُلُّنَا، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاَثِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَخَرَجَ إِلَيْهِ ثَلاَثُونَ حَبْرًا مِنَ الْيَهُودِ حَتَّى إِذَا بَرَزُوا فِي بِرَازٍ مِنَ الأَرْضِ، قَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ لِبَعْضٍ: كَيْفَ تَخْلُصُونَ إِلَيْهِ، وَمَعَهُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِهْ كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهُ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ: كَيْفَ تَفْهَمُ وَنَفْهَمُ وَنَحْنُ سِتُّونَ رَجُلاً؟ اخْرُجْ فِي ثَلاَثَةٍ مِنْ أَصْحَابِكَ، وَيَخْرُجُ إِلَيْكَ ثَلاَثَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا، فَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ، فَإِنْ آمَنُوا بِكَ آمَنَّا كُلُّنَا، وَصَدَّقْنَاكَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلاَثَةِ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَاشْتَمَلُوا عَلَى الْخَنَاجِرِ، وَأَرَادُوا الْفَتْكَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ نَاصِحَةٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إِلَى بَنِي أَخِيهَا، وَهُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَخْبَرَتْهُ خَبَرَ مَا أَرَادَتْ بَنُو النَّضِيرِ مِنَ الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ أَخُوهَا سَرِيعًا، حَتَّى أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَارَّهُ بِخَبَرِهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَرَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ، غَدَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَتَائِبِ فَحَاصَرَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّكُمْ لاَ تَأْمَنُونَ عِنْدِي إِلاَّ بِعَهْدٍ تُعَاهِدُونِي عَلَيْهِ، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ عَهْدًا، فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُمْ ذَلِكَ هُوَ وَالْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ غَدَا الْغَدُ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ بِالْخَيْلِ وَالْكَتَائِبِ، وَتَرَكَ بَنِي النَّضِيرِ وَدَعَاهُمْ إِلَى أَنْ يُعَاهِدُوهُ، فَعَاهَدُوهُ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَغَدَا إِلَى بَنِي النَّضِيرِ بِالْكَتَائِبِ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى الْجَلاَءِ، وَعَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا أَقَلَّتِ الإِبِلُ إِلاَّ الْحَلْقَةَ، وَالْحَلْقَةُ: السِّلاَحُ، فَجَاءَتْ بَنُو النَّضِيرِ وَاحْتَمَلُوا مَا أَقَلَّتْ إِبِلٌ مِنْ أَمْتِعَتِهِمْ وَأَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَخَشَبِهَا، فَكَانُوا يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ، فَيَهْدِمُونَهَا فَيَحْمِلُونَ مَا وَافَقَهُمْ مِنْ خَشَبِهَا، وَكَانَ جَلاَؤُهُمْ ذَلِكَ أَوَّلَ حَشْرِ النَّاسِ إِلَى الشَّامِ وَكَانَ بَنُو النَّضِيرِ مِنْ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَمْ يُصِبْهُمْ جَلاَءٌ مُنْذُ كَتَبَ اللَّهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْجَلاَءَ، فَلِذَلِكَ أَجْلاَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْلاَ مَا كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْجَلاَءِ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا عُذِّبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} حَتَّى بَلَغَ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ} وَكَانَتْ نَخْلُ بَنِي النَّضِيرِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَأَعْطَاهَا اللَّهُ إِيَّاهَا وَخَصَّهُ بِهَا، فَقَالَ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} يَقُولُ: بِغَيْرِ قِتَالٍ قَالَ: فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَهَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ، وَلِرَجُلَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ كَانَا ذَوِي حَاجَةٍ، لَمْ يَقْسِمْ لِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ غَيْرِهِمَا، وَبَقِيَ مِنْهَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَدِ بَنِي فَاطِمَةَ. 9734- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، مِنْهَا أَرْبَعٌ، أَوْ خَمْسٌ يَدْعُو إِلَى الإِسْلاَمِ سِرًّا، وَهُوَ خَائِفٌ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ أَنْزَلَ فِيهِمْ {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ} وَالْعِضِينَ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ: السِّحَرُ يُقَالُ لِلسَّاحِرَةِ: عَاضِهَةٌ، فَأَمَرَ بِعَدَاوَتِهِمْ فَقَالَ: اصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أُمِرَ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَقَدِمَ فِي ثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ، فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ} وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ}، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ} وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} أَرَادَ اللَّهُ الْقَوْمَ، وَأَرَادَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيرَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا} الآيَةَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} الآيَةَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا} فِي شَأْنِ الْعِيرِ {وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ} أَخَذُوا أَسْفَلَ الْوَادِي، هَذَا كُلُّهُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ، وَكَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ سَرِيَّةٌ، يَوْمَ قُتِلَ الْحَضْرَمِيُّ، ثُمَّ كَانَتْ أُحُدٌ، ثُمَّ يَوْمُ الأَحْزَابِ بَعْدَ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، ثُمَّ كَانَتِ الْحُدَيْبِيَةُ، وَهُوَ يَوْمُ الشَّجَرَةِ، فَصَالَحَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ فِي عَامِ قَابِلٍ فِي هَذَا الشَّهْرِ، فَفِيهَا أُنْزِلَتْ {الشَّهْرُ الْحَرَامِ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} فَشَهْرُ عَامِ الأَوَّلِ بِشَهْرِ الْعَامِ الثَّانِي فَكَانَتِ {الحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} ثُمَّ كَانَتِ الْفَتْحُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ، فَفِيهَا نَزَلَتْ: {حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَاهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا أَعَدُّوا لَهُ أُهْبَةَ الْقِتَالِ، وَلَقَدْ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ أَرْبَعَةُ رَهْطٍ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي بَكْرٍ خَمْسِينَ، أَوْ زِيَادَةٌ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ لَمَّا دَخَلُوا فِي دِينِ اللهِ {هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ} ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ بَعْدَ عِشْرِينَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ إِلَى الطَّائِفِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ، ثُمَّ وَدَّعَ النَّاسَ، ثُمَّ رَجَعَ فَتُوُفِّيَ فِي لَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ، وَلَمَّا رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْحَجِّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ.
9735- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَتْ وَقْعَةُ أُحُدٍ فِي شَوَّالٍ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ بَنِي النَّضِيرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ فِي قَوْلِهِ: {وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ وَكُفَّارُ قُرَيْشٍ: إِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي لَبِسْتُ دِرْعًا حَصِينَةً، فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، فَاجْلِسُوا فِي ضَيْعَتِكُمْ، وَقَاتِلُوا مِنْ وَرَائِهَا، وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ قَدْ شُبِّكَتْ بِالْبُنْيَانِ فَهِيَ كَالْحِصْنِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا: يَا رَسُولَ اللهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ فَلْنُقَاتِلْهُمْ وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ: نَعَمْ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا رَأَيْتُ، إِنَّا وَاللهِ مَا نَزَلَ بِنَا عَدُوُّ قَطُّ فَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، فَأَصَابَ فِينَا، وَلاَ تَنَيْنَا فِي الْمَدِينَةِ، وَقَاتَلْنَا مِنْ وَرَائِهَا إِلاَّ هَزَمْنَا عَدُوُّنَا، فَكَلَّمَهُ أُنَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ، فَدَعَا بِلأْمَتِهِ فَلَبِسَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا أَظُنُّ الصَّرْعَى إِلاَّ سَتَكْثُرُ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ، إِنِّي أَرَى فِي النَّوْمِ مَنْحُورَةً فَأَقُولُ: بَقَرٌ، وَاللهِ بِخَيْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَاجْلِسْ بِنَا فَقَالَ: إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يَلْقَى النَّاسَ، فَهَلْ مِنْ رَجُلٍ يَدُلُّنَا الطَّرِيقَ عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ؟ فَانْطَلَقَتْ بِهِ الأَدِلاَّءُ بَيْنَ يَدَيْهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّوْطِ مِنَ الْجَبَّانَةِ، انْخَزَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ بِثُلُثِ الْجَيْشِ، أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ثُلُثِ الْجَيْشِ، فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقُوهُمْ بِأُحُدٍ وَصَافُّوهُمْ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهِدَ إِلَى أَصْحَابِهِ إِنْ هُمْ هَزَمُوهُمْ أَنْ لاَ يَدْخُلُوا لَهُمْ عَسْكَرًا، وَلاَ يَتْبَعُوهُمْ فَلَمَّا الْتَقَوْا هَزَمُوا، وَعَصَوُا النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنَازَعُوا وَاخْتَلَفُوا ثُمَّ صَرَفَهُمُ اللَّهُ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيهِمْ، كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ وَعَلَى خَيْلِهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَتَلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبْعِينَ رَجُلاً، وَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ شَدِيدَةٌ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَمِيَ وَجْهُهُ، حَتَّى صَاحَ الشَّيْطَانُ بِأَعْلَى صَوْتَهِ، قُتِلَ مُحَمَّدٌ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَفْتُ عَيْنَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْمِغْفَرِ، فَنَادَيْتُ بِصَوْتِي الأَعْلَى: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَشَارَ إِلَيَّ أَنِ اسْكُتْ، وَكَفَّ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وُقُوفٌ، فَنَادَى أَبُو سُفْيَانَ بَعْدَ مَا مُثِّلَ بِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجُدِعُوا، وَمِنْهُمْ مَنْ بُقِرَ بَطْنُهُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: إِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ فِي قَتْلاَكُمْ بَعْضَ الْمَثَلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ ذَوِي رَأَيْنَا وَلاَ سَادَتِنَا، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: اعْلُ هُبَلْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ فَقَالَ: أُنْعِمْتَ عَيْنًا، قَتْلَى بِقَتْلَى بَدْرٍ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ يَسْتَوِي الْقَتْلَى، قَتْلاَنَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلاَكُمْ فِي النَّارِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لَقَدْ خِبْنَا إِذًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ، وَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، حَتَّى بَلَغُوا قَرِيبًا مِنْ حَمْرَاءِ الأَسَدِ، وَكَانَ فِيمَنْ طَلَبَهُمْ يَوْمَئِذٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَذَلِكَ حِينَ قَالَ اللَّهُ: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}. 9736- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ، دَعَا الْمُسْلِمِينَ لِطَلَبِ الْكُفَّارِ، فَاسْتَجَابُوا فَطَلَبُوهُمْ عَامَّةَ يَوْمِهِمْ، ثُمَّ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} الآيَةَ. وَلَقَدْ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَنَّ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضُرِبَ يَوْمَئِذٍ بِالسَّيْفِ سَبْعِينَ ضَرْبَةً، وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّهَا كُلَّهَا.
9737- عبد الرزاق، ثُمَّ كَانَتْ وَقْعَةُ الأَحْزَابِ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ بِسَنَتَيْنِ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَانِبَ الْمَدِينَةِ، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ، فَحَاصَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، حَتَّى خَلُصَ إِلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمُ الْكَرْبُ، وَحَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمَا أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أُنْشِدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تَشَأْ أَنْ لاَ تُعْبَدَ فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ رَأْسُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَطَفَانَ، وَهُوَ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ: أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ لَكَ ثُلُثَ ثَمَرِ الأَنْصَارِ أَتَرْجِعُ بِمَنْ مَعَكَ مِنْ غَطَفَانَ؟ وَتُخَذِّلُ بَيْنَ الأَحْزَابِ؟ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ عُيَيْنَةُ إِنْ جَعَلْتَ لِي الشَّطْرَ فَعَلْتُ، فَأَرْسَلَ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ سَيِّدُ الأَوْسِ، وَإِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فَقَالَ لَهُمَا: إِنَّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ قَدْ سَأَلَنِي نِصْفَ ثَمَرِكُمَا عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ، وَيُخَذِّلَ بَيْنَ الأَحْزَابِ، وَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ الثُّلُثَ فَأَبَى إِلاَّ الشَّطْرَ، فَمَاذَا تَرَيَانِ؟ قَالاَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتَ أُمِرْتَ بِشَيْءٍ فَامْضِ لأَمْرِ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كُنْتُ أُمِرْتُ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْتَأمِرْكُمَا، وَلَكِنْ هَذَا رَأْيِي أَعْرِضُهُ عَلَيْكُمَا قَالاَ: فَإِنَّا لاَ نَرَى أَنْ نُعْطِيَهُ إِلاَّ السَّيْفَ قَالَ: فَنِعْمَ إِذًا. قَالَ مَعْمَرٌ: فَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنَّهُمَا قَالاَ لَهُ: وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ لَقَدْ كَانَ أَفُلاَنَ حِينَ جَاءَ اللَّهُ بِالإِسْلاَمِ نُعْطِيهِمْ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنِعْمَ إِذًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ: فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الأَشْجَعِيُّ، وَكَانَ يَأْمَنُهُ الْفَرِيقَانِ، كَانَ مُوادِعًا لَهُمَا فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ عُيَيْنَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ بَنِي قُرَيْظَةَ: أَنِ اثْبُتُوا، فَإِنَّا سَنُخَالِفُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلاً لاَ يَكْتُمُ الْحَدِيثَ، فَقَامَ بِكَلِمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ هَذَا الأَمْرُ مِنَ اللهِ فَأَمْضِهِ، وَإِنْ كَانَ رَأَيًا مِنْكَ فَإِنَّ شَأْنَ قُرَيْشٍ وَبَنِي قُرَيْظَةَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مَقَالٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَيَّ الرَّجُلَ رُدُّوهُ فَرَدُّوهُ فَقَالَ: انْظُرِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَ، فَلاَ تَذْكُرْهُ لأَحَدٍ فَإِنَّمَا أَغْرَاهُ فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى عُيَيْنَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتُمْ مِنْ مُحَمَّدٍ يَقُولُ قَوْلاً إِلاَّ كَانَ حَقًّا؟ قَالاَ: لاَ، قَالَ: فَإِنِّي لَمَّا ذَكَرْتُ لَهُ شَأْنَ قُرَيْظَةَ. قَالَ: فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: سَنَعْلَمُ ذَلِكَ إِنْ كَانَ مَكْرًا، فَأَرْسَلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَّكُمْ قَدْ أَمَرْتُمُونَا أَنْ نَثْبُتَ، وَأَنَّكُمْ سَتُخَالِفُونَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بَيْضَتِهِمْ، فَأَعْطُونَا بِذَلِكَ رَهِينَةً فَقَالُوا: إِنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ السَّبْتِ، وَإِنَّا لاَ نَقْضِي فِي السَّبْتِ شَيْئًا فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ إِنَّكُمْ فِي مَكْرٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَارْتَحِلُوا، وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَأطْفَأتْ نِيرَانَهُمْ وَقَطَعَتْ أَرْسَانَ خُيُولِهِمْ، وَانْطَلَقُوا مُنْهَزِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ قَالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، قَالَ: فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِهِمْ، فَطَلَبُوهُمْ حَتَّى بَلَغُوا حَمْرَاءَ الأَسَدِ قَالَ: فَرَجَعُوا قَالَ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأْمَتَهُ، وَاغْتَسَلَ وَاسْتَجْمَرَ، فَنَادَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلُ: عَذِيرُكَ مِنْ مُحَارِبٍ، أَلاَ أَرَاكَ قَدْ وَضَعْتَ اللَّأْمَةَ، وَلَمْ نَضَعْهَا نَحْنُ بَعْدُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: عَزَمْتُ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُصَلُّوا الْعَصْرَ حَتَّى تَأْتُوا بَنِي قُرَيْظَةَ، فَغَرَبِتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ أَنْ تَدَعُوا الصَّلاَةَ فَصَلُّوا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّا لَفِي عَزِيمَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَيْنَا مِنْ بَأْسٍ، فَصَلَّتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَتَرَكَتْ طَائِفَةٌ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا قَالَ: فَلَمْ يُعَنِّفِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِمَجَالِسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ، فَقَالَ: هَلْ مَرَّ بِكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، مَرَّ عَلَيْنَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ تَحْتَهُ قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ جِبْرِيلُ، أُرْسِلَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لِيُزَلْزِلَ حُصُونَهُمْ، وَيَقْذِفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَحَاصَرَهُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا انْتَهَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتُرُوهُ بِجُحَفِهِمْ لِيَقُوهُ الْحِجَارَةَ، حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَهُمْ، فَفَعَلُوا فَنَادَاهُمْ: يَا إِخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرَ فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْتَ فَاحِشًا فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَقَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَأَبَوْا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلُوا عَلَى دَاءٍ فَأَقْبَلُوا بِهِمْ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَسِيرًا عَلَى أَتَانٍ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَتْ قُرَيْظَةُ تُذَكِّرُهُ بِحِلْفِهِمْ، وَطَفِقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَنْفَلِتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَأْمِرًا، يَنْتَظِرُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ، فَيُجِيبُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: انْفِرْ بِمَا أَنَا حَاكِمٌ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بِقَوْلِ: نَعَمْ قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَحْكُمُ بِأَنْ يُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ، وَتُقَسَّمَ أَمْوَالُهُمْ، وَتُسْبَى ذَرَارِيهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَصَابَ الْحُكْمَ قَالَ: وَكَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ اسْتَجَاشَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَلاَكَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ، فَاسْتَفْتَحَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً، فَقَالَ سَيِّدُهُمْ: إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مَشْئُومٌ، فَلاَ يَشْأَمَنَّكُمْ حُيَيٌّ، فَنَادَاهُمْ يَا بَنِي قُرَيْظَةَ أَلاَ تَسْتَجِيبُوا؟ أَلاَ تَلْحِقُونِي؟ أَلاَ تُضَيِّفُونِي؟ فَإِنِّي جَامِعٌ مَغْرُورٌ، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ: وَاللهِ لَنَفْتَحَنَّ لَهُ، فَلَمْ يَزَالُوا حَتَّى فَتَحُوا لَهُ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِمْ أُطُمَهُمْ قَالَ: يَا بَنِي قُرَيْظَةَ جِئْتُكُمْ فِي عَزِّ الدَّهْرِ، جِئْتُكُمْ فِي عَارِضِ بَرْدٍ لاَ يَقُومُ لِسَبِيلِهِ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ سَيِّدُهُمْ: أتَعِدُنَا عَارِضًا بَرْدًا يَنْكَشِفُ عَنَّا، وَتَدَعُنَا عِنْدَ بَحْرٍ دَائِمٍ لاَ يُفَارِقُنَا، إِنَّمَا تَعِدُنَا الْغُرُورَ قَالَ: فَوَاثَقَهُمْ وَعَاهَدَهُمْ لَئِنِ انْفَضَّتْ جُمُوعُ الأَحْزَابِ أَنْ يَجِيئَ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَهُمْ أُطُمَهُمْ، فَأَطَاعُوهُ حِينَئِذٍ بِالْغَدْرِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا فَضَّ اللَّهُ جُمُوعَ الأَحْزَابَ انْطَلَقَ حَتَّى إِذَا كَانَ بِالرَّوْحَاءِ، ذَكَرَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ الَّذِي أَعْطَاهُمْ، فَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ مَعَهُمْ، فَلَمَّا أَقْبَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أُتِيَ بِهِ مَكْتُوفًا بِقِدٍّ فَقَالَ حُيَيٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا وَاللهِ مَا لُمْتُ نَفْسِي فِي عَدَاوَتِكَ، وَلَكِنَّهُ مَنْ يَخْذُلِ اللَّهَ يُخْذَلُ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
9738- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَغَزَا خَيْبَرَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ {وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ} إِلَى {وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} فَلَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ جَعَلَهَا لِمَنْ غَزَا مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ، وَبَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ مِمَّنْ كَانَ غَائِبًا وَشَاهِدًا، مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ كَانَ وَعَدَهُمْ إِيَّاهَا، وَخَمَّسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ، ثُمَّ قَسَمَ سَائِرَهَا مَغَانِمَ بَيْنَ مَنْ شَهِدَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ لأَصْحَابِهِ عُمَّالٌ يَعْمَلُونَ خَيْبَرَ، وَلاَ يَزْرَعُونَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا يَهُودَ خَيْبَرَ، وَكَانُوا خَرَجُوا عَلَى أَنْ يَسِيرُوا مِنْهَا، فَدَفَعَ إِلَيْهِمْ خَيْبَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا عَلَى النِّصْفِ فَيُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا أَقَرَّكُمُ اللَّهُ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنِ رَوَاحَةَ الأَنْصَارِيَّ، فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمُ النَّخْلَ حِينَ يَطِيبُ أَوَّلُ شَيْءٍ مِنْ تَمْرِهَا، قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ يُخْيِرُ الْيَهُودَ يَأْخُذُونَهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ أَمْ يَدْفَعُونَهَا بِذَلِكَ الْخَرْصِ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: ثُمَّ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ مِنَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، وَخَلَّوْهَا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَلَّفُوا حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى الْقُرَشِيَّ ثُمَّ الْعَدَوِيَّ، وَأَمَرُوا إِذَا طَافَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلاَثًا، أَنْ يَأْتِيَهُ فَيَأْمُرُهُ أَنْ يَرْتَحِلَ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَمْكُثَ ثَلاَثًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَأَتَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُوَيْطِبَ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَكَلَّمَهُ فِي الرَّحِيلِ فَارْتَحَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَافِلاً إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَتْحَ: فَتْحَ مَكَّةَ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنَ الْمَدِينَةِ مَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ، فَسَارَ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ يَصُومُ وَيَصُومُونَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ، وَهُوَ مَا بَيْنَ عُسْفَانَ وَقَدِيدَ فَأَفْطَرَ وَأَفْطَرَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَلَمْ يَصُومُوا مِنْ بَقِيَّةِ رَمَضَانَ شَيْئًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَكَانَ الْفِطْرُ آخِرَ الأَمْرَيْنِ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الآخِرُ فَالآخِرُ قَالَ: فَفَتَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ لَيْلَةَ ثَلاَثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ.
9739- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ قَالَ مَعْمَرٌ: وَكَانَ يُقَالُ لِعُثْمَانَ الْجَزَرِيِّ الْمُشَاهِدَ عَنْ مِقْسَمٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتْ سِنِينَ ذَكَرَ أَنَّهَا كَانَتْ حَرْبٌ بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَهُمْ حُلَفَاءُ قُرَيْشٍ، وَبَيْنَ خُزَاعَةَ وَهُمْ حُلَفَاءُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعَانَتْ قُرَيْشُ حُلَفَاءَهُ عَلَى خُزَاعَةَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَمْنَعَنَّهُمْ مِمَّا أَمْنَعُ مِنْهُ نَفْسِي وَأَهْلِ بَيْتِي وَأَخَذَ فِي الْجِهَازِ إِلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا فَقَالُوا لأَبِي سُفْيَانَ: مَا تَصْنَعُ وَهَذِهِ الْجُيُوشُ تُجَهَّزُ إِلَيْنَا؟ انْطَلِقْ فَجَدِّدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ كِتَابًا، وَذَلِكَ مَقْدِمُهُ مِنَ الشَّامِ فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: هَلُمَّ فَلْنُجَدِّدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كِتَابًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ عَلَى أَمْرِنَا الَّذِي كَانَ، وَهَلْ أَحْدَثْتُمْ مِنْ حَدَثٍ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: لاَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ عَلَى أَمْرِنَا الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا، فَجَاءَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: هَلْ لَكَ عَلَى أَنْ تَسُودَ الْعَرَبَ، وَتَمُنَّ عَلَى قَوْمِكَ فَتُجِيرَهُمْ، وَتُجَدِّدَ لَهُمْ كِتَابًا؟ فَقَالَ: مَا كُنْتَ لأَفْتَاتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ: هَلْ لَكِ أَنْ تَكُونِي خَيْرَ سَخْلَةٍ فِي الْعَرَبِ؟ أَنْ تُجِيرِي بَيْنَ النَّاسِ، فَقَدْ أَجَارَتْ أُخْتُكِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَلَمْ يُغَيِّرْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا كُنْتُ لأَفْتَاتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرٍ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: أَجِيرَا بَيْنَ النَّاسِ قُولاَ: نَعَمْ، فَلَمْ يَقُولاَ شَيْئًا، وَنَظَرَا إِلَى أُمِّهِمَا وَقَالاَ: نَقُولُ مَا قَالَتْ أَمُّنَا، فَلَمْ يَنْجَحْ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا طَلَبَ، فَخَرَجَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ فَقَالُوا: مَاذَا جِئْتَ بِهِ؟ قَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبٍ وَاحِدٍ، وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْهُمْ صَغِيرًا وَلاَ كَبِيرًا، وَلاَ أُنْثَى، وَلاَ ذَكْرًا، إِلاَّ كَلَّمْتُهُ، فَلَمْ أَنْجَحْ مِنْهُمْ شَيْئًا قَالُوا: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا ارْجِعْ فَرَجَعَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا، حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَاسٍ مِنَ الأَنْصَارِ: انْظُرُوا أَبَا سُفْيَانَ فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَهُ، فَنَظَرُوهُ فَوَجَدُوهُ، فَلَمَّا دَخَلَ الْعَسْكَرَ جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَجَأُونَهُ، وَيُسْرِعُونَ إِلَيْهِ، فَنَادَى: يَا مُحَمَّدُ إِنِّي لَمَقْتُولٌ، فَأُمِرَ بِي إِلَى الْعَبَّاسِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ لَهُ خِدْنًا وَصَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَبَاتَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، تَحَرَّكَ النَّاسُ، فَظَنَّ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَهُ قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالَ: تَحَرَّكُوا لِلمُنَادِي لِلصَّلاَةِ قَالَ: فَكُلُّ هَؤُلاَءِ إِنَّمَا تَحَرَّكُوا لِمُنَادِي مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَقَامَ الْعَبَّاسُ لِلصَّلاَةِ وَقَامَ مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ: يَا عَبَّاسُ مَا يَصْنَعُ مُحَمَّدٌ شَيْئًا إِلاَّ صَنَعُوا، مِثْلَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا لفَعَلُوا، وَإِنِّي لأَرَاهُمْ سَيُهْلِكُونَ قَوْمَكَ غَدًا، قَالَ يَا عَبَّاسُ فَادْخُلْ بِنَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ خَلْفَ الْقُبَّةِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْعُزَّى؟ فَقَالَ عُمَرُ مِنْ خَلْفِ الْقُبَّةِ: تَخْرَأُ عَلَيْهَا فَقَالَ: وَأَبِيكَ إِنَّكَ لَفَاحِشٌ، وَإِنِّي لَمْ آتِكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ إِنَّمَا جِئْتُ لاِبْنِ عَمِّي، وَإِيَّاهُ أُكَلِّمُ قَالَ: فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ قَوْمِنَا، وَذَوِي أَسْنَانِهِمْ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَجْعَلَ لَهُ شَيْئًا يُعْرَفُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: أَدَارِي؟ أَدَارِي؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ، وَمَنْ وَضَعَ سِلاَحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، فَانْطَلَقَ مَعَ الْعَبَّاسِ حَتَّى إِذَا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَخَافَ مِنْهُ الْعَبَّاسُ بَعْضَ الْغَدْرِ فَجَلَّسَهُ عَلَى أَكَمَةٍ حَتَّى مَرَّتْ بِهِ الْجُنُودُ، قَالَ: فَمَرَّتْ بِهِ كَبْكَبَةٌ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ فَقَالَ: هَذَا الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُمْنَى قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ كَبْكَبَةٌ أُخْرَى فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: هُمْ قُضَاعَةُ وَعَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ كَبْكَبَةٌ أُخْرَى، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ قَالَ: هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنَّبَةِ الْيُسْرَى قَالَ: ثُمَّ مَرَّتْ بِهِ قَوْمٌ يَمْشُونَ فِي الْحَدِيدِ فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ يَا عَبَّاسُ؟ الَّتِي كَأَنَّهَا حَرَّةٌ سَوْدَاءُ قَالَ: هَذِهِ الأَنْصَارُ عِنْدَهَا الْمَوْتُ الأَحْمَرُ فِيهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالأَنْصَارُ حَوْلَهُ، فَقَالَ: أَبُو سُفْيَانَ سِرْ يَا عَبَّاسُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ صَبَاحَ قَوْمٍ فِي دِيَارِهِمْ قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى مَكَّةَ نَادَى، وَكَانَ شِعَارُ قُرَيْشٍ يَا آلَ غَالِبٍ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، فَلَقِيَتْهُ امْرَأَتُهُ هِنْدٌ فَأَخَذَتْ بِلِحْيَتِهِ وَقَالَتْ: يَا آلَ غَالِبٍ اقْتُلُوا الشَّيْخَ الأَحْمَقَ، فَإِنَّهُ قَدْ صَبَأَ، فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْلِمَنَّ، أَوْ لَيُضْرَبَنَّ عُنُقُكِ قَالَ: فَلَمَّا أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَكَّةَ كَفَّ النَّاسُ أَنْ يَدْخُلُوهَا حَتَّى يَأْتِيَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسِ، فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّهُمْ يَصْنَعُونَ بِالْعَبَّاسِ مَا صَنَعَتْ ثَقِيفٌ بِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، فَوَاللهِ إِذًا لاَ أَسْتَبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولُ الْعَبَّاسِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْكَفِّ فَقَالَ: كُفُّوا السِّلاَحَ إِلاَّ خُزَاعَةَ عَنْ بَكْرٍ سَاعَةً، ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَكَفُّوا، فَأَمَّنَ النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلاَّ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَابْنَ خَطَلٍ وَمَقِيسَ الْكِنَانِيَّ، وَامْرَأَةً أُخْرَى، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لَمْ أُحَرِّمْ مَكَّةَ وَلَكِنْ حَرَّمَهَا اللَّهُ، وَإِنَّهَا لَمْ تُحَلِّلْ لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ لِي فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ. قَالَ: ثُمَّ جَاءَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بِابْنِ أَبِي سَرْحٍ فَقَالَ: بَايِعْهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ جَاءَهُ أَيْضًا فَقَالَ: بَايِعْهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أَعْرَضْتَ عَنْهُ، وَإِنِّي لأَظُنُّ بَعْضَكُمْ سَيَقْتُلُهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ: فَهَلاَّ أَوْمَضْتَ إِلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ لاَ يُومِضُ وَكَأَنَّهُ رَآهُ غَدْرًا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَقَاتَلَ بِمَنْ مَعَهُ صُفُوفَ قُرَيْشٍ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ عَنْهُمْ، فَدَخَلُوا فِي الدِّينِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحِ} حَتَّى خَتَمَهَا. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَهِيَ كِنَانَةُ، وَمَنْ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ قَبْلَ حُنَيْنٍ، وَحُنَيْنٌ وَادٍ فِي قُبُلِ الطَّائِفِ ذُو مِيَاهٍ، وَبِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ عَجُزُ هَوَازِنَ وَمَعَهُمْ ثَقِيفٌ، وَرَأْسُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّضْرِيُّ، فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ، فَنَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَكَانَ يَوْمًا شَدِيدًا عَلَى النَّاسِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ} الآيَةَ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفُهُمْ فَلِذَلِكَ بَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَوْمَئِذٍ. 9740- عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ الْمِغْفَرُ.
9741- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي كَثِيرُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مَعَهُ إِلاَّ أَنَا وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَزِمْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ نُفَارِقْهُ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ، وَرُبَّمَا قَالَ مَعْمَرٌ: بَيْضَاءَ، أَهْدَاهَا لَهُ فَرْوَةُ بْنُ نَعَامَةَ الْجُذَامِيُّ قَالَ: فَلَمَّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْكُفَّارَ وَلَّى الْمُسْلِمُونَ مُدْبِرِينَ، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرْكِضُ بَغْلَتَهُ نَحْوَ الْكُفَّارِ قَالَ الْعَبَّاسُ: وَأَنَا آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكُفُّهَا، وَهُوَ لاَ يَأْلُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِغَرْزِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ نَادِ أَصْحَابَ السَّمْرَةِ قَالَ: وَكُنْتُ رَجُلاً صَيِّتًا فَنَادَيْتُ بِأَعْلَى صَوْتِي: أَيْنَ أَصْحَابُ السَّمْرَةِ؟ قَالَ: فَوَاللهِ لَكَأَنَّ عَطْفَتَهُمْ حِينَ سَمِعُوا صَوْتِي عَطْفَةَ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلاَدِهَا، يَقُولُونَ: يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، يَا لَبَّيْكَ، وَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ، فَاقْتَتَلُوهُمُ وَالْكُفَّارُ، فَنَادَتِ الأَنْصَارُ يَقُولُونَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ثُمَّ قَصُرَتِ الدَّعْوَةُ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ، فَنَادَوْا يَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَالَ: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى بَغْلَتِهِ كَالْمُتَطَاوِلِ عَلَيْهَا إِلَى قِتَالِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا حِينَ حَمِيَ الْوَطِيسُ قَالَ: ثُمَّ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصَيَاتٍ فَرَمَى بِهِنَّ وُجُوهَ الْكُفَّارِ ثُمَّ قَالَ: انْهَزَمُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنْظُرُ فَإِذَا الْقِتَالُ عَلَى هَيْئَتِهِ فِيمَا أَرَى قَالَ: فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ رَمَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَصَيَاتِهِ فَمَا زِلْتُ أَرَى حَدَّهُمْ كَلِيلاً، وَأَمْرَهُمْ مُدْبِرًا، حَتَّى هَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَزْهَرَ يُحَدِّثُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَوْمَئِذٍ كَانَ عَلَى الْخَيْلِ، خَيْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ أَزْهَرَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا هَزَمَ اللَّهُ الْكُفَّارَ، وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى رِحَالِهِمْ، يَمْشِي فِي الْمُسْلِمِينَ وَيَقُولُ: مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى رَحْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ؟ فَمَشَيْتُ، أَوْ قَالَ فَسَعَيْتُ، بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنَا غُلاَمٌ مُحْتَلِمٌ أَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى رَحْلِ خَالِدِ؟ حَتَّى دُلِلْنَا عَلَيْهِ، فَإِذَا خَالِدٌ مُسْتَنِدٌ إِلَى مُؤْخِرَةِ رَحْلِهِ فَأَتَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى جُرْحِهِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبَى يَوْمَئِذٍ سِتَّةَ آلآفِ سَبْيٍ مِنِ امْرَأَةٍ وَغُلاَمٍ، فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ هَوَازِنُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: أَنْتَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ، وَقَدْ سُبِيَ مَوَالِينَا، وَنِسَاؤُنَا، وَأُخِذَتْ أَمْوَالُنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِكُمْ وَمَعِي مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْقَوْلِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا الْمَالُ، وَإِمَّا السَّبْيُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَّا إِذَا خَيَّرْتَنَا بَيْنَ الْمَالِ وَبَيْنَ الْحَسَبِ فَإِنَّا نَخْتَارُ الْحَسَبَ، أَوْ قَالَ: مَا كُنَّا نَعْدِلُ بِالْحَسَبِ شَيْئًا، فَاخْتَارُوا نِسَاءَهُمْ وَابْنَاءَهُمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَطَبَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاؤُوا مُسْلِمَيْنَ، أَوْ مُسْتَسْلِمِينَ، وَإِنَّا قَدْ خَيَرْنَاهُمْ بَيْنَ الذَّرَارِيِّ وَالأَمْوَالِ فَلَمْ يَعْدِلُوا بِالأَحْسَابِ، وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ تَرُدُّوا لَهُمْ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْنَا حِصَّتَهُ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نُعْطِيَهُ مِنْ بَعْضِ مَا يُفِيئُهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ: فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ طَيَّبْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنِّي لاَ أَدْرِي مَنْ أَذِنَ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَأْمُرُوا عُرَفَاءَكُمْ فَلْيَرْفَعُوا ذَلِكَ إِلَيْنَا فَلَمَّا رُفِعَتِ الْعُرَفَاءُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّاسَ قَدْ سَلَّمُوا ذَلِكَ، وَأَذِنُوا فِيهِ رَدَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَوَازِنَ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَخَيَّرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءً كَانَ أَعْطَاهُنَّ رِجَالاً مِنْ قُرَيْشٍ بَيْنَ أَنْ يَلْبَثْنَ عِنْدَ مَنْ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعْنَ إِلَى أَهْلِهِنَّ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَبَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً مِنْهُمْ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَخُيِّرَتْ فَاخْتَارَتْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَتْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مُعْجَبًا بِهَا، وَأُخْرَى عِنْدَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَاخْتَارَتْ أَهْلَهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَسَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ اعْتَمَرَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ بَعْدَ مَا قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ ثُمَّ انْطَلَقَ إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى تِلْكَ الْحِجَّةِ. قَالَ مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ مُلاَعِبُ الأَسِنَّةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ الإِسْلاَمَ فَأَبَى أَنْ يُسَلِّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي لاَ أَقْبَلُ هَدِيَّةَ مُشْرِكٍ قَالَ: فَابْعَثْ إِلَى أَهْلِ نَجْدٍ مَنْ شِئْتَ فَأَنَا لَهُمْ جَارٌ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ نَفَرًا الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُقَالُ الْمُعْنِقُ لَيَمُوتَ، وَفِيهِمْ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِمْ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يُطِيعُوهُ وَأَبَوْ أَنْ يُخْفِرُوا مُلاَعِبَ الأَسِنَّةِ قَالَ: فَاسْتَجَاشَ عَلَيْهِمْ بَنِي سُلَيْمٍ فَأَطَاعُوهُ فَاتَّبَعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِئَةِ رَجُلٍ رَامٍ فَأَدْرَكُوهُمْ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَقَتَلُوهُمْ إِلاَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ فَأَرْسَلُوهُ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَمَّا رَجَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمِنْ بَيْنِهِمْ؟ قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُمْ لَمَّا دَفَنُوا الْتَمَسُوا جَسَدَ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَيَرَوْنَ أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ دَفَنَتْهُ. 9742- عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ، وَهُوَ خَالُ أَنَسٍ طُعِنَ يَوْمَئِذٍ فَتَلَقَّى دَمَهُ بِكَفِّهِ، ثُمَّ نَضَحَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَقَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي عَاصِمٌ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ عَلَى شَيْءٍ قَطُّ مَا وَجَدَ عَلَى أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَأَصْحَابِ سَرِيَّةِ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو، فَمَكَثَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى الَّذِينَ أَصَابُوهُمْ فِي قُنُوتِ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ وَلِحْيَانَ وَهُمْ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ.
9743- عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: فَلَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ، وَظَهَرَ الإِيمَانُ فَتَحَدَّثَ بِهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ بِمَنْ آمَنَ مِنْ قَبَائِلِهِمْ يُعَذِّبُونَهُمْ وَيَسْجِنُونَهُمْ، وَأَرَادُوا فِتْنَتَهُمْ عَنْ دِينَهُمْ قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ: تَفَرَّقُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا: فَأَيْنَ نَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: هَاهُنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَكَانَتْ أَحَبُّ الأَرْضِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهَاجَرُ قِبَلَهَا فَهَاجَرَ نَاسٌ ذُو عَدَدٍ مِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِأَهْلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ حَتَّى قَدِمُوا أَرْضَ الْحَبَشَةِ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَخَرَجَ فِي الْهِجْرَةِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِامْرَأَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِامْرَأَتِهِ رُقْيَةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَخَرَجَ فِيهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بِامْرَأَتِهِ أُمَيْمَةَ ابْنَةِ خَلَفٍ، وَخَرَجَ فِيهَا أَبُو سَلَمَةَ بِامْرَأَتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَرَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ خَرَجُوا بِنِسَائِهِمْ، فَوُلِدَ بِهَا عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ، وَوُلِدَتْ بِهَا أَمَةُ ابْنَةُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ أُمُّ عَمْرِو بْنِ الزُّبَيْرِ، وَخَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَوُلِدَ بِهَا الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ فِي نَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ وُلِدُوا بِهَا. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بَكْرَةً وَعَشِيَّةً، فَلَمَّا ابْتُلِي الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا قِبَلَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأُرِيدُ أَنَّ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ وَأَعْبُدُ رَبِّي، فَقَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: مِثْلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ لاَ يُخْرَجُ وَلاَ يَخْرُجُ إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَلاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَأَمَّنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لاِبْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ، وَلْيُصَلِّ فِيهَا مَا شَاءَ، وَلاَ يُؤْذِينَا، وَلاَ يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاَةِ وَالْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ، فَفَعَلَ ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَبَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاءَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بُكَاءً لاَ يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: إِنَّمَا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ فِي دَارِهِ، وَإِنَّهُ قَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ وَبَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَأَعْلَنَ الصَّلاَةَ، وَالْقِرَاءَةَ وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَأْتِهِ فَأَمُرْهُ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ فِي دَارِهِ فَعَلَ، وَإِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا خَفَرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ بِالاِسْتِعْلاَنِ قَالَتْ: عَائِشَةُ: فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ إِمَّا أَنْ تَقتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تُرْجِعَ إِلَيَّ ذِمَّتِي، فَإِنِّي لاَ أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي عَهْدِ رَجُلٌ عَقَدْتُ لَهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ فَقَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ: إِنِّي قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ إِنِّي أُرِيتُ دَارًا سَبِخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لاَبَتَيْنِ وَهُمَا الْحَرَّتَانِ فَهَاجَرَ مِنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضَ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ مُهَاجِرًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكَ فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤَذَنَ لِي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَتَرْجُو ذَلِكَ يَا نَبِيَّ اللهِ؟ قَالَ نَعَمْ، فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصُحْبَتِهِ وَعَلَفَ أَبُو بَكْرٍ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمَرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَبَيْنَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسًا فِي بَيْتِنَا فِي نَحَرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلاً مُتَقَنِّعًا رَأْسَهُ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِدًا لَهُ أَبِي وَأُمِّي إِنْ جَاءَ بِهِ: فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَمَرٌ قَالَتْ: فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنَ لَهُ فَدَخَلَ.....، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَالصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ وَأُمِّي إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِالثَّمَنِ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَجَهَّزْنَاهُمَا أَحَثَّ الْجِهَازِ فَصَنَعْنَا لَهُمَا سُفْرَةً فِي جِرَابٍ، فَقَطَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ نِطَاقِهَا فَأَوْكَتْ بِهِ الْجِرَابَ، فَلِذَلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ، ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ، فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: وَأَخْبَرَنِي عُثْمَانُ الْجَزَرِيُّ أَنَّ مِقْسَمًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ}، قَالَ: تَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ بِمَكَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَأَثْبِتُوهُ بِالْوَثَاقِ يُرِيدُونَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلِ اقْتُلُوهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَنْ أَخْرِجُوهُ فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَبَاتَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَحِقَ بِالْغَارِ، وَبَاتَ الْمُشْرِكُونَ يَحْرُسُونَ عَلِيًّا يَحْسِبُونَ أَنَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا ثَارُوا إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَوْا عَلِيًّا رَدَّ اللَّهُ مَكْرَهُمْ فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ هَذَا؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ فَلَمَّا بَلَغُوا الْجَبَلَ، اخْتَلَطَ عَلَيْهِمُ الأَمْرَ فَصَعَدُوا الْجَبَلَ فَمَرُّوا بِالْغَارِ فَرَأَوْا عَلَى بَابِهِ نَسْجَ الْعَنْكَبُوتِ فَقَالُوا: لَوْ دَخَلَ هَاهُنَا لَمْ يَكُنْ بِنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ عَلَى بَابِهِ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاَثًا. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: دَخَلُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ يَأْتَمِرُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: لاَ يَدْخُلْ مَعَكُمْ أَحَدٌ لَيْسَ مِنْكُمْ فَدَخَلَ مَعَهُمُ الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا عَيْنٌ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ قَالَ: فَتَشَاوَرُوا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَرَى أَنْ تُرْكِبُوهُ بَعِيرًا ثُمَّ تُخْرِجُوهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا رَأَى هَذَا، هُوَ هَذَا قَدْ كَانَ يُفْسِدُ مَا بَيْنَكُمْ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَكَيْفَ إِذَا أَخَرَجْتُمُوهُ فَأَفْسَدَ النَّاسَ، ثُمَّ حَمَلَهُمْ عَلَيْكُمْ يُقَاتِلُوكُمْ فَقَالُوا: نِعْمَ مَا رَأْيُ هَذَا الشَّيْخُ، فَقَالَ قَائِلٌ آخَرَ: فَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلُوهُ فِي بَيْتٍ وَتُطَيِّنُوا عَلَيْهِ بَابَهُ وَتَدَعُوهُ فِيهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَقَالَ الشَّيْطَانُ: بِئْسَ مَا رَأَى هَذَا، أَفَتَرَى قَوْمَهُ يَتْرُكُونَهُ فِيهِ أَبَدًا لاَبُدَّ أَنْ يَغْضَبُوا لَهُ فَيُخْرِجُوهُ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: أَرَى أَنْ تُخْرِجُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلاً ثُمَّ يَأْخُذُوا أَسْيَافَهُمْ فَيَضْرِبُونَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَلاَ يَدْرِي مَنْ قَتَلَهُ فَتَدُونَهُ فَقَالَ الشَّيْطَانُ: نِعْمَ مَا رَأَى هَذَا، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى غَارٍ فِي الْجَبَلِ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ، وَنَامَ عَلِيٌّ عَلَى فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَاتُوا يَحْرُسُونَهُ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا قَامَ عَلِيٌّ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ بَادَرُوا إِلَيْهِ فَإِذَا هُمْ بِعَلِيٍّ فَقَالُوا: أَيْنَ صَاحِبُكَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي فَاقْتَصُّوا أَثَرَهُ حَتَّى بَلَغُوا الْغَارَ ثُمَّ رَجَعُوا فَمَكَثَ فِيهِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ثَلاَثَ لَيَالٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ عَنْ عُرْوَةَ: فَمَكَثَا فِيهِ ثَلاَثَ لَيَالٍ يَبِيتُ عِنْدَهُمَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ غُلاَمٌ شَابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِمَا سَحَرًا فَيُصْبِحُ عِنْدَ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ كَبَائِتٍ، فَلاَ يَسْمَعُ أَمْرًا يُكَادَانِ بِهِ إِلاَّ وَعَاهُ حَتَّى يَأْتِيَهُمَا بِخَبَرِ ذَلِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظَّلاَمُ، وَيَرْعَى عَلَيْهِمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنْمٍ فَيُرِيحُهَا عَلَيْهِمَا حِينَ يَذْهَبُ سَاعَةً مِنَ اللَّيْلِ فَيَبِيتَانِ فِي رِسْلِهَا حَتَّى يَنْعِقُ بِهَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ، يَفْعَلُ ذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ اللَّيَالِي الثَّلاَثِ. وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ، قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حَلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَأَمَّنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ، فَأَتَى غَارَهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقَ أذَاحِرَ وَهُوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيُّ وَهُوَ ابْنُ أَخِي سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سُرَاقَةَ يَقُولُ: جَاءَتْنَا رُسُلُ كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَجْعَلُونَ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ دِيَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَنْ قَتَلَهُمَا، أَوْ أَسَرَهُمَا قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ قَوْمِي مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ، أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَقَالَ: يَا سُرَاقَةُ إِنِّي رَأَيْتُ آنِفًا أَسْوِدَةً بِالسَّاحِلِ أُرَاهَا مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ قَالَ سُرَاقَةُ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُمْ هُمْ فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ لَيْسُوا بِهِمْ، وَلَكِنَّكَ رَأَيْتَ فُلاَنًا وَفُلاَنًا انْطَلَقُوا بُغَاةً قَالَ: ثُمَّ مَا لَبِثْتُ فِي الْمَجْلِسِ إِلاَّ سَاعَةً حَتَّى قُمْتُ فَدَخَلْتُ بَيْتِي فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي أَنْ تُخْرِجَ لِي فَرَسِي وَهِيَ مِنْ وَرَاءِ أَكَمَةٍ تَحْبِسُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذْتُ رُمْحِي فَخَرَجْتُ بِهِ مِنْ ظَهْرِ الْبَيْتِ، فَخَطَطْتُ بِزُجِّي بِالأَرْضِ وَخَفَضْتُ عَلَيْهِ الرُّمْحَ، حَتَّى أَتَيْتُ فَرَسِي فَرَكِبْتُهَا، فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي حَتَّى رَأَيْتُ أَسْوِدَتُهُمْ، حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ مِنْهُمْ حَيْثُ يَسْمَعُونَ الصَّوْتَ، عَثَرَتْ بِي فَرَسِي فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَقُمْتُ فَأَهْوَيْتُ بِيَدِي إِلَى كِنَانَتِي فَاسْتَخْرَجْتُ مِنْهَا، أَيِ الأَزْلاَمُ، فَاسْتَقْسَمْتُ بِهَا أَضُرَّهُمْ أَمْ لاَ، فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لاَ أَضُرَّهُمْ فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَعَصَيْتُ الأَزْلاَمَ فَرَفَعْتُهَا تُقَرِّبُ بِي أَيْضًا حَتَّى إِذَا دَنَوْتُ وَسَمِعْتُ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لاَ يَلْتَفِتُ وَأَبُو بَكْرٍ يُكْثِرُ الاِلْتِفَاتَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتِ الرُّكْبَتَيْنِ، فَخَرَرْتُ عَنْهَا، فَزَجَرْتُهَا فَنَهَضَتْ فَلَمْ تَكَدْ تَخْرُجُ يَدَاهَا، فَلَمَّا اسْتَوَتْ قَائِمَةً إِذَا لأَثَرِ يَدَيْهَا عُثَانٌ سَاطِعٌ فِي السَّمَاءِ مِثْلُ الدُّخَانِ. قَالَ مَعْمَرٌ: قُلْتُ لأَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ: مَا الْعُثَانُ؟ فَسَكَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: هُوَ الدُّخَانُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ فَاسْتَقْسَمْتُ بِالأَزْلاَمِ فَخَرَجَ الَّذِي أَكْرَهُ لاَ أَضُرَّهُمْ، فَنَادَيْتُهُمَا بِالأَمَانِ فَوَقَفَا وَرَكِبْتُ فَرَسِي حَتَّى جِئْتَهُمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِي حِينَ لَقِيتُ مِنْهُمْ مَا لَقِيتُ مِنَ الْحَبْسِ عَنْهُمْ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ أَمَرَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ قَوْمَكَ جَعَلُوا فِيكَ الدِّيَةَ، وَأَخْبَرْتُهُمْ مِنْ أَخْبَارِ سَفَرِي وَمَا يُرِيدُ النَّاسُ بِهِمْ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمُ الزَّادَ وَالْمَتَاعَ فَلَمْ يَرْزَؤُونِي شَيْئًا، وَلَمْ يَسْأَلُونِي إِلاَّ أَنْ أَخَفِ عَنَّا، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَكْتُبَ لِي كِتَابَ مُوَادَعَةٍ آمَنُ بِهِ فَأَمَرَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ فَكَتَبَهُ لِي فِي رُقْعَةٍ مِنْ أَدَمٍ، ثُمَّ مَضَى. قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ لَقِيَ الزُّبَيْرَ وَرَكْبًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا تُجَّارَ الْمَدِينَةِ بِالشَّامِ قَافِلِينَ إِلَى مَكَّةَ فَعَرَضُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ثِيَابَ بَيَاضٍ، يُقَالُ كَسَوْهُمْ أَعْطَوْهُمْ. وَسَمِعَ الْمُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ بِمَخْرَجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ فَيَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يُؤْذِيهِمْ حُرُّ الظَّهِيرَةِ فَانْقَلَبُوا يَوْمًا بَعْدَ مَا أَطَالُوا انْتِظَارَهُ، فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ أُطُمًا مِنْ آطَامِهِمْ لأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ وَأَصْحَابِهِ مُبَيَّضِينَ، يَزُولُ بِهِمُ السَّرَابَ، فَلَمْ يَتَنَاهَى الْيَهُودِيُّ أَنْ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ هَذَا جَدُّكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى السِّلاَحِ فَلَقُوا رَسُولَ اللهِ؟ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَوْهُ بِظَاهِرِ الْحَرَّةِ فَعَدَلَ بِهِمْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ حَتَّى نَزَلَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَذَلِكَ يَوْمُ الاِثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ......، وَأَبُو بَكْرٍ يُذَكِّرُ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَامَتًا، وَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْسِبُهُ أَبَا بَكْرٍ حَتَّى أَصَابَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّمْسَ فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى ظَلَّلَ عَلَيْهِ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَبِثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وابْتَنَى الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاحِلَتَهُ فَسَارَ وَمَشَى النَّاسُ حَتَّى بَرَكَتْ بِهِ عِنْدَ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ يَوْمَئِذٍ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مِرْبَدًا لِلتَّمْرِ لِسَهْلٍ وَسُهَيْلٍ غُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ أَخَوَيْنِ فِي حِجْرِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدِ بْنِ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَرَكَتْ بِهِ رَاحِلَتَهُ: هَذَا الْمَنْزِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغُلاَمَيْنِ فَسَاوَمَهُمَا بِالْمِرْبَدِ لِيَتَّخِذَهُ مَسْجِدًا فَقَالاَ: بَلْ نَهَبُهُ لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهُ هِبَةً حَتَّى ابْتَاعَهُ مِنْهُمَا وَبَنَاهُ مَسْجِدًا، وَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ اللَّبَنَ فِي ثِيَابِهِ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا الْحِمَالُ لاَ حِمَالُ خَيْبَرَ *** هَذَا أَبَرُّ رَبَّنَا وَأَطْهَرُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّ الأَجْرَ أَجْرُ الآخِرَةِ فَارْحَمِ الأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَةِ يَتَمَثَّلُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَمَّ لِي، وَلَمْ يَبْلُغْنِي فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَثَّلُ بِبَيْتٍ قَطُّ مِنْ شِعْرٍ تَامٍّ غَيْرِ هَؤُلاَءِ الأَبْيَاتِ، وَلَكِنْ كَانَ يُرْجِزُهُمْ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ. فَلَمَّا قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفَّارَ قُرَيْشٍ حَالَتِ الْحَرْبُ بَيْنَ مُهَاجِرَةَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَبَيْنَ الْقُدُومِ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى لَقَوْهُ بِالْمَدِينَةِ زَمَنَ الْخَنْدَقِ، فَكَانَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ تُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُعَيِّرُهُمْ بِالْمُكْثِ فِي أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ، زَعَمَتْ أَسْمَاءُ، لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَسْتُمْ كَذَلِكَ وَكَانَ أَوَّلَ آيَةٍ أُنْزِلَتْ فِي الْقِتَالِ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}.
|